الشفاء الروحي - عبد اللطيف البغدادي - الصفحة ٤٨
ترى في هذه الآية الكريمة أن الله قد حصر العلة والسبب في إيجادنا بعد العدم بالعبادة له لا غير، مع أن الله غني عن عبادتنا لأنه تعالى لا تنفعه طاعة المطيعين ولا تضره معصية العاصين. قال تعالى: (إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ([إبراهيم / 9]، وقال بعد الآية التي ذكر فيها العلة من إيجاد الجن والأنس: (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعموني (57) إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين (.
العبادة لله تعالى تكون في حدود الأحكام الخمسة والعبادة لله معناها الطاعة له بعد معرفته ومعرفة دينه إذ العبادة بلا معرفة لا قيمة لها والطاعة لله لم يكن المقصود منها مجرد الصلاة والزكاة والحج والصوم وما شاكل ذلك من بقية الفرائض فقط، بل الطاعة لله تكون في حدود الأحكام الخمسة وهي الإتيان بالواجبات التي افترضها الله على عباده والتي إن تركها الإنسان استحق العقاب على تركها. والترك للمحرمات التي حرمها عليهم والتي إن ارتكبها استحق العقاب على ارتكابها والإتيان بالمستحبات التي إن أتى بها الإنسان أثيب وأجر عليها وإن لم يأت بها لم يعاقب على تركها، وترك المكروهات التي ينبغي للعاقل تركها لما تشتمل عليه من بعض الأضرار وبتركها يسلم من أضرارها ويثاب أيضا على تركها، وتناول المباحات التي أباحها الله لعباده من أنواع النعم التي لا تعد ولا تحصى، فللإنسان أن يختار منها ما يشاء.
وكل ذلك يلزم أن يكون طبق حدود العقل والشرع والوقوف عندهما وبذلك يستطيع الإنسان أن يعبد الله عز وجل في مطلق تصرفاته إذا كانت تلك التصرفات في حدود العقل والشرع وبنوايا الامتثال لأمر الله والتقرب
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»