بدنياه ورياسته، ولذته ومعاشه وغير ذلك فهذا مفرط مستحق للوعيد، آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات، فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى: ردت شهادته وإن غلب ما فيه من السنة والهدى: قبلت شهادته.
القسم الثالث: أن يسأل ويطلب، ويتبين له الهدى، ويتركه تقليدا وتعصبا، أو بغضا أو معاداة لأصحابه، فهذا أقل درجاته: أن يكون فاسقا، وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل، فإن كان معلنا داعية ردت شهادته وفتاويه وأحكامه، مع القدرة على ذلك، ولم تقبل له شهادة، ولا فتوى ولا حكم، إلا عند الضرورة، كحال غلبة هؤلاء واستيلائهم، وكون القضاة والمفتين والشهود منهم، ففي رد شهادتهم وأحكامهم إذ ذاك فساد كثير، ولا يمكن ذلك، فتقبل للضرورة.
مذهب مالك:
وقد نص مالك على أن شهادة أهل البدع - كالقدرية والرافضة ونحوهم - لا تقبل، وإن صلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا.
قال اللخمي: وذلك لفسقهم، قال: ولو كان ذلك عن تأويل غلطوا فيه.
فإذا كان هذا ردهم لشهادة القدرية - وغلطهم إنما هو من تأويل القرآن كالخوارج - فما الظن بالجهمية الذين أخرجهم كثير من السلف من الثنتين والسبعين فرقة؟
وعلى هذا: فإذا كان الناس فساقا كلهم إلا القليل النادر: قبلت شهادة بعضهم على بعض، ويحكم بشهادة الأمثل فالأمثل، هذا هو الصواب الذي عليه العمل، وإن أنكره كثير من الفقهاء بألسنتهم، كما أن العمل على صحة ولاية الفاسق، ونفوذ أحكامه، وإن أنكروه بألسنتهم، وكذلك العمل على صحة كون الفاسق وليا في النكاح ووصيا في المال.
والعجب ممن يسلبه ذلك ويرد الولاية إلى فاسق مثله، أو أفسق منه، فإن العدل الذي تنتقل إليه الولاية قد تعذر وجوده، وامتاز الفاسق القريب بشفقة القرابة، والوصي باختيار الموصى له وإيثاره على غيره، ففاسق عينه الموصي، أو امتاز بالقرابة: أولى من فاسق ليس كذلك، على أنه إذا غلب على الظن صدق الفاسق قبلت شهادته وحكم بها، والله سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق، فلا يجوز رده مطلقا، بل يتثبت فيه حتى يتبين: هل هو صادق أو كاذب؟ فإن كان صادقا: قبل قوله وعمل به، وفسقه عليه، وكان كاذبا: رد خبره ولم يلتفت إليه.