دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين - صالح الورداني - الصفحة ٢٨٦
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يستقيم مثل هذا التصور مع قوله تعالى (كل نفس بما كسبة رهينة).
والظاهر أن النووي شعر بالحرج وعدم استقامة مثل هذه الروايات مع نصوص القرآن فقال إن الله يدخل اليهود والنصارى النار بأعمالهم لا بذنوب المسلمين وأنه لا سبيل إلا الالتزام بهذا التأويل مخافة التصادم مع قوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) كما شعر بهذا الحرج من قبله عمر بن عبد العزيز فاضطر أن يستحلف الراوي ثلاث مرات. حتى أن الراوي نفسه شكك في نص الرواية وهو ما يبدو من قوله فيما أحسب أنا. وقول الآخر لا أدري ممن الشك..
ومثل هذا كثير في عالم الرواة والرواية وهو كاف وحده لأمثال الفقهاء أن يحكموا عقولهم فيما ينقلون لا أن يسارعوا إلى التبرير واستنباط الأحكام من روايات قليل من التأمل فيها يكفي لدحضها..
ولا أدري هل مثل هذه الروايات تقرب أصحاب الديانات الأخرى من الإسلام أم تباعدهم عنه..؟ إنها بلا شك تنفرهم منه وتقوي من نزعة الأعداء لديهم تجاهه. وبهذه المناسبة نحن نبشر المسلمين العصاة أن تقر أعينهم ويستريح بالهم فعدد اليهود والنصارى اليوم هو أكثر من المسلمين بكثير. وفكاكهم من النار يوم القيامة واقع لا محالة وبأكثر من فرد منهم..
وعلى ضوء هذه الروايات وغيرها أجمع الفقهاء على نسبة الظلم إلى الله سبحانه وأن ذلك الأمر يدخل في مطاق مشيئته فإن شاء أدخل العصاة الجنة وأدخل الطائعين النار..
يقول الأشعري: أجمع الفقهاء على أن الله كان قادرا على أن يخلق جميع الخلق في الجنة متفضلا عليهم بذلك. لأنه تعالى غير محتاج إلى عبادتهم. وأنه قادر أن يخلقهم كلهم في النار ويكون بذلك عادلا عليهم لأن الخلق خلقه والأمر أمره.. (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) (1)..

(1) أصول أهل السنة والجماعة المسماة رسالة الثغر. ط القاهرة..
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»
الفهرست