وجاء نصر الله والفتح، وخرج العرب جميعا ومواليهم من دوائر الشرك إلى دائرة التوحيد، فلم يعد بوسع عربي أن يعلن شركه وتوحد العرب أول مرة في تاريخهم تحت خيمة دولة النبي، دولة الإيمان التي عاش في ظلالها العرب والعجم، والموالي والصرحاء، مع كل الألوان ينعمون جميعا بالحرية، والمساواة، والعدل، والكرامة الإنسانية، وتكافؤ الفرص كثمرات طبيعية لتطبيق القوانين الإلهية التي بينها النبي بيانا كاملا وشاملا ونقلها من النص إلى التطبيق، ومن النظر إلى الواقع، ومن الكلمة إلى الحركة عبر مسيرتي الدعوة والدولة.
وحج بالناس رسول الله بالناس، وأعلن أمام وفود الحجيج، أن حجته تلك هي حجة الوداع، وأنه قد خير فاختار ما عند الله، وسيمر من هذا العام ويموت في مرضه، وأنه يغتنم فرصة تجمع المسلمين، ويعلن أمامهم بأمر من ربه في ذلك المكان غدير (خم) أن الله تعالى قد أمره بإعلان علي بن أبي طالب وليا وإماما لهم من بعده، فهو ولي من كان النبي وليه ومولى من كان النبي مولاه، فتقدمت الجموع وبايعت الإمام عليا، وهنأته بالولاية وكان أبو بكر وعمر من أوائل المبايعين والمهنئين وبايعه الطلقاء أيضا.
وفي ذات الموقف أعلن النبي أمام ذلك الجمع المهيب: (بأن الهدى لا يدرك إلا بالتمسك بالثقلين: كتاب الله وعترة النبي أهل بيته، وأن الضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالتمسك بهذين الثقلين معا) ثم نادى النبي بأعلى صوته: (ألا هل بلغت) وصاحت الجموع الإسلامية بصوت واحد (لقد بلغت يا رسول الله، أديت الأمانة، وبلغت الرسالة، وتركت الناس على المحجة البيضاء، فقال الرسول: اللهم إني أشهدك عليهم.
ويهبط جبريل الأمين، ومعه آية الإكمال (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)) وتلا النبي