ذلك الظن والحسبان أبصارهم عن إبصار الحق. وأصم ذلك آذانهم عن سماع ما ينفعهم من دعوة أنبيائهم.. على أن الله تعالى فتح لهم أبواب التوبة فرفع هذا الحسبان عن قلوبهم والعمى والصم عن أبصارهم وآذانهم.. ونجا بالتوبة بعضهم، وعلى امتداد المسيرة اعتقدوا ما اعتقدوه لأنفسهم من قبل كرامة التهود. وظنوا أن لا يصيبهم سوء أو لا يفتنون. فعموا وصموا كثيرا منهم (1).
فعند بداية الطريق جهر الأنبياء بما ينفع المسيرة، وحذروا من الفتن التي تلقي بأصحابها تحت أقدام المسيح الدجال آخر الزمان، يقول النبي (ص): " إن الله لم يبعث نبيا إلا إمته الدجال (2) " وقال: "... وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة ولا كبيرة إلا لفتنة الدجال " (3) وقال:
" إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال " (4). ولكن المسيرة الإسرائيلية لم تنصت في نهاية المطاف إلى تحذيرات الأنبياء، ومع تحريفهم المستمر للأصول التقطوا تحذير الدجال ووضعوا عليه لباس التبشير، وذلك عندما وجدوا أن ما معه يلتقي مع فقه الحسن والزينة الذي تشربوا أصوله من أفواه الأخبار، ولقد صرحوا للنبي (ص) بأنهم ينتظرون أميرا يملكون به الأرض (5). وما هذا الأمير إلا المسيح الدجال. وسنبين ذلك في موضعه إن شاء الله.
لقد عموا وصموا ولم ينفعهم ما قدروا لأنفسهم من الكرامة بل أعماهم وأوردهم مورد الهلكة والفتنة، لأن ما قدروه لأنفسهم لم تنطق به الفطرة ولا شرائع الأنبياء ولا حركة التاريخ.