لقد بينت الدعوة الإلهية الخاتمة للبشرية العقيدة الحقة، وأقامت الحجة على أهل الكتاب ليتفكروا وليتدبروا. ليعلموا أن دين إبراهيم برئ من جميع العقائد التي عليها بصمات العجول وآلهة الأمم المتعددة، وأن دين إبراهيم لا علاقة له بعقائد التثليث وألوهية المسيح، ولم تكن مهمة إبراهيم عليه السلام في يوم من الأيام هي البحث عن الميراث من النيل إلى الفرات، وإنما كان عليه السلام إماما للناس، يقتدون به ويتبعونه في أقواله وأفعاله، وهذه الإمامة لا ينالها ظالم من ولده، لأن الله لا يجعل الظالمين أئمة ولا يعطي الإمامة لعدوه. لأن هؤلاء يأتون كنتيجة لأعمال الظالمين من الناس، والله تعالى رؤوف بالعباد، والناس تحت مظلة الاختبار يمتحنون، فمن سلك طريقا على ذروته إمام للرحمة والعدل. وصل إلى غايته، ومن سلك طريقا على ذروته إمام يدعو إلى النار، دخل فيها.
وعلى امتداد عهد البعثة الخاتمة، بين الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أن شريعته تنهى عن الفحشاء والمنكر وتأمر بالمعروف، وتحذر من البغي والاستكبار والاختلاف، وتنادي بالعدل والإحسان والاستقامة، وتدعو إلى العمل الصالح والتفكر والتدبر والإصلاح والإخلاص، وإن منهج الدعوة عموده الفقري هو التوحيد، وشجرته الأخلاق الفاضلة، إلى غير ذلك من الأوامر والنواهي.
وعلم أهل الكتاب وغيرهم أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده. وقال تعالى: * (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) * (1)، ولقد أختبر الله تعالى الفرع الإسرائيلي من الشجرة الإبراهيمية. وبعث فيهم الأنبياء والرسل لينظر سبحانه كيف تعمل القافلة، وعلم أهل الكتاب كيف سارت القافلة. وبماذا حكم الله عليها.