الناس عليها، فإن الوجوه المطموسة لا تقصد إلا ما خلفته وراءها ولا تمشي إليه إلا القهقرى، وهذا الإنسان الذي يسير في غير اتجاه الفطرة كلما توجه إلى ما يراه خيرا لنفسه وصلاحا لدينه ودنياه لم ينل إلا شرا وفسادا، وكلما بالغ في التقدم زاد في التأخر وليس بفالح أبدا، وقوله تعالى: * (نطمس وجوها) * فيه أنه تعالى أتى بالجمع المنكر، ولو كان المراد الجميع لم ينكر، ولتنكير الوجوه وعدم تعيينها هدف من ورائه حكمة، هي أن المقام لما كان مقام الإبعاد والتهديد وهو إبعاد للجماعة بشر لا يلحق إلا ببعضهم، كان إبهام الأفراد الذين يقع عليهم السخط الإلهي أوقع في الانذار والتخويف، لأن وصفهم على إبهامه يقبل الانطباق على كل واحد من القوم، فلا يأمن أحدهم أن يمسه هذا العذاب (1).
خامسا - [العنكبوت والدعوة]:
حذرت الدعوة الخاتمة من سلوك سبيل الذين كفروا من أهل الكتاب، لأن الدعوة تقيم وجهها للدين وتتجه بالبشرية إلى الأمام.
وتمدها على امتداد الطريق بالزاد الفطري الذي يحقق السعادة في الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي، بينما تتقدم قافلة الذين كفروا إلى الخلف بزاد عذاب الطمس الذي ضربه الله عليهم بما كسبت أيديهم، وعلى امتداد هذا الطريق. كلما بالغ أصحابه في التقدم زادوا في التأخر ولن يحصلوا على السعادة الحقيقية أبدا.
ومن الآيات التي حذر فيها الله من الذين كفروا من أهل الكتاب قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء