الحصين الذي يحفظ الإنسان من الزلل، قال رسول الله (ص) " والذي نفس محمد بيده. لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به. إلا كان من أصحاب النار " (1)، وروي أنه (ص) ذهب إلى يهود. وقال لهم " يا معشر يهود أسلموا تسلموا " فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم. فقال " أسلموا تسلموا " فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم فقال " ذلك أريد " (أي: أريد أن تعرفوا أني بلغت) ثم قال لهم " إعلموا إنما الأرض لله ولرسوله، وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله " (2) فالرسول (ص) بلغ بالإسلام، ولكن القوم كانت عيونهم على الأرض والطين، لأنهم من أجل هذا الميراث يعملون، فوقفوا بما يعتقدون أمام القول الفصل وهو " إعلموا أن الأرض لله ورسوله ". ولم يكن الجلاء من جزيرة العرب عقابا وحيدا للذين يصدون عن سبيل الله، وإنما أنذرهم الله بعقاب أليم في الحياة الدنيا والآخرة، قال تعالى: * (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها على أدبارها. أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمرا مفعولا) * (3). قال في الميزان: دعاهم الله تعالى إلى الإيمان بالكتاب الذي نزله مصدقا لما معهم، وأوعدهم بالسخط الذي يلحقهم لو تمردوا واستكبروا من طمس أو لعن يتبعانهم اتباعا لا ريب فيه، وطمس الوجوه محو هذه الوجوه التي يتوجه بها البشر نحو مقاصدهم الحيوية مما فيه سعادة الإنسان المرتقبة والمرجوة، وهذا المحو ليس هو المحو الذي يوجب فناء الوجوه وزوالها، بل محو يوجب ارتداد تلك الوجوه على أدبارها، فإذا كانت الوجوه تقصد مقاصدها على الفطرة التي فطر الله
(٢١٩)