تبعد عنها حوالي ستين ميلا، إلى أن بنى شلمناصر قصرا له في نينوى، حوالي سنة 1270 ق. م. واعتبرها قاعدة ملكه. واستمر خلفاؤه يسكنونها إلى أيام أشور ناسربال وابنه شلمناصر اللذين لم يكتفيا بنينوى، بل جعلا مدينة كالح عاصمة أخرى مثل نينوى، حوالي 880 ق. م. ولكن نينوى استعادت استئثارها بالرئاسة فيما بعد. وكان ملوك الأشوريين يعنون بإحضار الغنائم والأسلاب معهم إلى نينوى وتركها هناك لتنمو المدينة وتزداد عظمة وغنى وجمالا.
حتى أنهم اعتبروا العالم القديم كله عبدا لنينوى يمدها بما تحتاجه. وإلى جانب القصور الشاهقة والشوارع الواسعة والهياكل والأسوار والقلاع، التي عرفت نينوى بها، بنى أشور بانيبال (حوالي سنة 650 ق. م.) مكتبة عظيمة، ضم إليها جميع الوثائق الحكومية والإدارية والرسائل الدبلوماسية والمعاملات الداخلية والأوامر الملكية ونسخا من المعاملات والوثائق والمراسلات التي عثر عليها في بابل.
ومن الأنبياء الذين تحدثوا مسبقا عن دمار نينوى يونان (يون 1: 2 و 3: 2 - 5) وناحوم (1: 1 - 3).
وسمى النبي ناحوم نينوى " مدينة الدمار " وكانت كلها ملآنة كذبا وخطفا. (نا 3: 1) وذلك بسبب الحروب الضارية التي خاضها شعب نينوى ضد الدول المجاورة وللمعاملة القاسية التي عاملوا بها المغلوبين. فقد كان ملوكها يتسلون بجذع أنوف الأسرى وسمل عيونهم وقطع أيديهم وآذانهم، وحملها إلى العاصمة وعرضها أمام الشعب.
ولكن الامبراطورية الأشورية أخذت في التقهقر والانحلال في أواسط القرن السابع قبل الميلاد وفي سنة 625 ق. م. أعلن نابو بلاسر، حاكم بابل، استقلاله عن نينوى ثم في سنة 612 ق. م. تحالف مع جيرانه أهل مادي وهاجم نينوى نفسها ودمرها وساعده على ذلك فيضان دجلة وطغيان مياهه على الشوارع والساحات. وتحولت المدينة العظيمة إلى مجرد أسطورة، وتحول عمرانها إلى آثار عفى عنها الزمن، فنسيها اليونان والرومان، ولم يكشف بقاياها إلا بعض الأثريين والمؤرخين في منتصف القرن الماضي. ومن أشهر الملوك الذين وجدت آثارهم في نينوى شلمناصر وتغلث فلاسر وسنحاريب وآسرحدون وأشور بانيبال. وقد أدت هذه الاكتشافات إلى قيام جدل طويل على حجم المدينة، فقيل إن طولها يبلغ عشرين ميلا، وعرضها أربعة عشر ميلا، وإنها تضم كوبو نجل ونمرود وخرسباد وكرملس، والحقيقة أن هذه المدن كانت في منطقة نينوى وليس في المدينة نفسها، وأن المساحة الكبيرة هي للإقليم كله.
ناي: أحد آلات الطرب، المعروف اليوم بالزمارة،