قاموس الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٦٩٥
الفكرين اليوناني والعبري وتطور كل منهما منفردا والتقائهما أخيرا وتأثير أحدهما على الآخر. فقد تناول العقل العبري العالم ونظر إليه من ناحيته التي عرضها عليه الوحي. فاقتبس حكمته من اختبارات الأجيال السالفة الواردة إليه على يد الأقدمين، ومن مراقبته لحياة الإنسان وما وصلت إليه تصرفاته من نتائج، ومن دراسته لتكيفات الطبيعة نحو هدف معين. فتوصل إلى مبادئ صحيحة يضبط بها تصرف الإنسان. ثم سعى لمعرفة مدى تأييد الاختبار البشري للحقائق الدينية. ومن هنا كان صراعه مع التناقضات الظاهرية في سياسة الخالق في الكون، كرفاهية الأشرار وشقاء الأبرار مثلا. ومن هذه المصادر المختلفة والبحوث المتشعبة ثبت لدى الحكيم العبري أن مخافة الله هي بدء الحكمة. ونشطت الفلسفة (أو الحكمة) العبرية على يد سليمان. فقد أولاها اهتماما خاصا فجمع الأقوال المأثورة عن الآخرين. ونطق بحكم جديدة نتيجة لملاحظات عقله الثاقب، ومعظم أمثاله يتعلق بسلوك الإنسان وتصرفاته. وهي تتناول العفة، الاعتدال في المأكل والمشرب، وضبط النفس، والصدق، والوفاء والسلوك في حضرة العظماء، الخ. ومن هنا انتقل العقل العبري إلى القيم الأدبية في نطاق أوسع ومدى أبعد. فهو ينظر إلى الحوادث مثلا ليس من حيث نتائجها الشخصية الحالية الحاضرة بل على ضوء تأثيرها على الأجيال المقبلة وعلى ضوء العقاب الإلهي فيما بعد.
وأخذ الفيلسوف العبري يدرس الطبيعة، فوجد لله قصدا في كل ما خلقه (مز 104: 24)، وللعقل أثرا في كل مكان. ففي خلق الكون وفي دوام وجوده عقل يعمل (أم 3: 19). ووجد الحكمة صفة من صفات الله ظاهرة في كل جزء من أجزاء الطبيعة. ثم شخصها (أم 1: 20 - 33 و 8: 12). وصورها موجودة منذ الأزل، مبدأة قبل خلق الكون، وحاضرة مع الله عندما أنشأ السماوات والأرض، وأقامها الله سيدا في الكون الذي خلق (أم 8: 22 - 31 وأي 28: 12 - 27). لم يعتبرها الفيلسوف شخصا بالفعل بل شيئا ظاهرا لله محسوسا، فهي المبدأ الذي رسمه الله للعالم. ونمت الفكرة وتطورت عند الكتاب المتأخرين إلى حد أنهم ميزوا الحكمة وفصلوها عن الله أكثر فأكثر (حكمة 7: 22 - 8: 5 و 9: 4 و 9) أطلب " حكمة ").
يعزى بدء الفلسفة اليونانية إلى الفيلسوف ناليس (حوالي 640 ق م) وتقسم إلى ثلاثة أدوار:
(1) دور المذاهب التي ما قبل سقراط. وقد نشأت عند الجاليات اليونانية في آسيا الصغرى. وجل بحوثها يدور حول العنصر أو العناصر الأساسية التي يتألف منها الكون. فسؤالهم هل الأساس عنصر واحد كالرطوبة أو الهواء؟ أم أنه كائن سرمدي ثابت لا يتغير؟ أم توازن القوة الفوري؟ (2) دور المذاهب السقراطية (469 - 322 ق م). ويمثلها سقراط (469 - 399 ق. م) وأفلاطون (430 - 347 ق. م) وأرسطوطاليس (384 - 322 ق. م). وكانت مدينة أثينا يومذاك مركز الفكر الفلسفي. وكانت البحوث متجهة نحو المعنى أو الصورة (أي جوهر الأشياء) ولم تكن مجرد فلسفة عقلية ميتافيزيقية جافة. فإنها كانت مشربة بعنصر أدبي سام. فعن طريق التعليل الستنتاجي سعى سقراط إلى اكتشاف العنصر الثابت الذي هو أساس وجوهر الظواهر والآراء المتبدلة المتقلبة. كما سعى إلى إعطاء الحقيقة التي اكتشفها بهذا الصدد تعريفا شاملا. أما أرسطوطاليس فجعل العقل الحكم المطلق فكل نظرية أو عقيدة أو سواها لا يثبت صحتها المنطق مرفوضة لديه. (3) دور المذاهب التي ما بعد المذاهب السقراطية. وكانت الفلسفة قد
(٦٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 690 691 692 693 694 695 696 697 698 699 700 ... » »»