يتركه لذاته ولشأنه كما يزعم بعض الفلاسفة. أن قوته لا زالت عاملة في الكون خالقة مسيرة وحافظة.
ثم إن الكتاب المقدس يعلمنا شيئا آخر عن عمل الله في الخلق، فمكانة الله في الخلق وفق تعليم الكتاب المقدس تختلف عن فكرة أرسطوطاليس الذي يتحدث عن العلة الأولى، وكأن لا اتصال بين الله وبين الخليقة سوى عن طريق سلسلة من العلل والمعلولات. فإن الكون وما فيه من صنع الباري اليوم هو كما كان يوم أبدعه أولا. فهو الكل وفي الكل كما يناقض تعليم أرسطوطاليس عن أزلية المادة إذ أن الكتاب المقدس يعلمنا بأن للمادة بداية. ثم إن الكتاب المقدس في تعليمه عن الخلق يناقض الحلوليين الذين لا يفرقون بين الخالق وخليقته بل يمزجون بينهما فالله ليس الخليقة وليست الخليقة الله. وقد خلق العالم بمحض حريته لا كما يقول الغنوسيون بأن الخلق عبارة عن انبثاق من الله يشبه التوالد الذاتي، فصدر عنه كضرورة لا محيص منها. أنه مبدع الكائنات وهي في وجودها وسيرها وبقائها وانتظامها تعتمد عليه بما أنه الخالق والمسير والحافظ والمدبر لها ولكل ما يتصل بها.
ومع أن مهمة الكتاب المقدس هو أن يعلمنا عن مكانة الله في الخلق والخليقة إلا أن ما يعلمنا إياه لا يتناقض مع العلم الصحيح الذي ثبتت صحته من غير شك.
ويظهر لنا الله في سفر التكوين " شخصا " لا مجرد قوة كما يزعم البعض، ويتمثل لنا عاملا في خلق العالم وكل ما فيه من لا شئ. وأسمى أعمال الله في الخلق هو الإنسان ذروة الخليقة، وهو يعمل في الكون وفق نواميس وشرائع ثابتة، وإيماننا بالله يتسامى فوق كل الفروض والنظريات العلمية، وتؤيد لنا القصة أن الخليقة لم تكن وليدة الصدفة، بل من تدبير إله حكيم، مدبر عاقل، قادر على كل شئ يتكلم فيطيعه الخلق.
وقد ثبت لدى العلماء أن بعض قصة الخليقة كما جاءت في سفر التكوين. وردت أيضا في الآثار الأشورية في لوحات من الفخار. ولكن القصة الأشورية مضطربة ومفككة، حافلة بأساطير الأقدمين يصعب فهم معانيها في كثير من المواضع. أما قصة سفر التكوين فمسلسلة ومرتبة ترتيبا محكما. فضلا عن هذا فإن القصة الأشورية تذكر عديدا من الآلهة، أما قصة التكوين فتحدثنا عن إله واحد، هو خالق السماوات والأرض، ورب العالمين.
خل: تصير الخمر، أو أي شراب قوي حريفة بطريقة التخمير والتخليل (عدد 6: 3) فإذا زادت نسبة التخمير، أو حفظت الخمر زمنا طويلا، صارت خلا. والخل حامض يضرس الأسنان (أم 10: 26) ويقسي الصابون (أمثال 25: 20) " كخل على نطرون ". وهو في ذاته غير صالح للشرب (مز 69:
21) ولكنه إذ مزج بقليل من الزيت، صار صالحا للشرب، وخاصة لاطفاء العطش متى عز وجود الماء الصالح. وكان يستعمل مع الأطعمة الأخرى، ويغمس فيه الخبز (راعوث 2: 14). وكان من عادة الجنود الرومان أن يشربوا في معسكراتهم نوعا مخففا من الخل ممزوجا بالماء. ولعل شرابا من هذا النوع هو الذي قدمه الجندي الروماني ليسوع وهو على الصليب ليطفئ حرقة ظمائه (مر 15: 36 ويو 19:
29 و 30). وهذه الجرعة التي شربها يسوع تختلف عن الخمر الحريف الذي سبق أن قدم له ورفضه، وكانت تلك الخمر ممزوجة بالمر (متى 27: 34 ومر 15: 23).
وما يزال الخل مستعملا حتى اليوم في كثير من بلدان