يقوم بخدمة البخور في الهيكل ظهر له الملاك جبرائيل وسكن روعه وأعلمه أن الله قد استجاب صلاته وصلاة زوجته، وبدت الاستجابة مستحيلة في أعينهما وأعين البشر بالنسبة إلى سنهما. وأعطاه الملاك الاسم الذي يجب أن يسمى الصبي به متى ولد، وأعلن له أن ابنه سيكون سبب فرح وابتهاج، ليس لوالديه فحسب، بل أيضا لكثيرين غيرهما، وأنه سيكون عظيما، ليس في أعين الناس فقط، بل أمام الله. وأن مصدر عظمته الشخصية هو امتلاؤه من الروح القدس، ومصدر عظمته الوظيفية في أنه سيكون مهيئا طريق الرب، وزاد الملاك ما هو أعظم من ذلك أي أن يوحنا يكون المبشر بظهور المسيح الموعود. فيتقدم أمامه متمما النبوة التي كان يتوق إليها كل يهودي بأن إيليا يأتي قدام المسيح،، ويهيئ للرب شعبا مستعدا (مل 4: 5 و 6 ومت 11: 14 و 17: 1 - 13).
أما زكريا فلم يصدق هذه البشارة لأن الموانع الطبيعية كانت أبعد من أن يتصورها العقل. ولم يكن معذورا لأنه كان يعلم جيدا ببشائر نظيرها، لا سيما بشارة الملاك للشيخين إبراهيم وسارة. ولهذا ضرب بالصمم والخرس إلى أن تمت البشارة.
ولد يوحنا سنة 5 ق. م. وتقول التقاليد أنه ولد في قرية عين كارم المتصلة بأورشليم من الجنوب (لو 1:
39). ولسنا نعلم إلا القليل عن حداثته. ونراه في رجولته ناسكا زاهدا، ساعيا لإخضاع نفسه والسيطرة عليها بالصوم والتذلل، حاذيا حذو إيليا النبي في ارتداء عباءة من وبر الإبل، شادا على حقويه منطقة من جلد، ومغتنيا بطعام المستجدي من جراد وعسل بري، مبكتا الناس على خطاياهم، وداعيا إياهم للتوبة، لأن المسيح قادم. ولا شك أن والده الشيخ قد روى له رسالة الملاك التي تلقاها عن مولده وقوله عنه " يتقدم أمامه بروح إيليا وقوته " (لو 1: 17).
والتقارب بين ما نادى به إيليا وما ينادي به ويوحنا والتشابه في مظهرهما الخارجي ولبسهما ومعيشتهما واضح للعيان من مقارنة قصة حياتهما.
ولم يظن يوحنا عن نفسه أنه شئ وقال إنه:
" صوت صارخ في البرية " (يو 1: 13). وكرس حياته للإصلاح الديني والاجتماعي. وبدأ كرازته في سنة 26 ب. م. وعلى الأرجح في السنة السبتية مما مكن الشعب الذي كان منقطعا عن العمل من الذهاب إليه إلى غور الأردن. وقد شهد في كرازته أن يسوع هو المسيح (يو 1: 15)، وأنه حمل الله (يو 1: 29 و 36).
وكان يعمد التائبين بعد أن يعترفوا بخطاياهم في نهر الأردن. (لو 3: 2 - 14). وكانت المعمودية اليهودية تقوم:
(1) بالغسولات والتطهيرات الشعبية (لا 11: 40 و 13: 55 - 58 و 14: 8 و 15: 27 وار 33: 8 وحز 36: 25 الخ وزك 13: 1 قابل مر 1: 44 ولو 2: 22 ويو 1: 25). فأضفى يوحنا عليها معنى أدبيا (مت 3: 2 و 6) وعمق معناها الروحي.
(2) بإدخال المهتدين إلى الدين اليهودي. فأصر يوحنا على ضرورة تعميد الجميع بصرف النظر عن جنسهم وطبقتهم (مت 3: 9). إذ على الجميع أن يتوبوا ليهربوا من الآتي (مت 3: 7 ولو 3: 7).
لأن معمودية المسيا الآتي ستحمل معها دينونة (مت 3: 12 ولو 3. 17، وقد طلب يسوع أن يعمد