حصره، كما بين مكانة العلماء والباحثين الذين يقومون بدرس آياته الكونية أو غيرها، وفضلهم على غيرهم حتى قال " هل يستوي الذين يعلمون، والذين لا يعلمون "، وقال: " إنما يخشى الله من عباده العلماء "، وهذه إشادة كبيرة بالعلوم، اختص بها الإسلام!
(ز) لعل المقصود من الآيتين معا " اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق "، تنبيه الأذهان إلى ما يثير الإعجاب بخلق الإنسان، والتنويه منه تعالى بإيماء ورفق، إلى وجوب مقارنة عمله في خلق الإنسان بعمله في خلق سائر الكائنات، ولا غرو فإنه ميز الإنسان بخواص كالعقل والنفس وغيرهما ولقد أشار سبحانه إلى هذه الفكرة في آية أخرى بقوله " ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين "، بما لا يوجد مثلها لسائر المخلوقات، ثم إن المخلوقات الأخرى في الكون تختلف عن طبيعة الإنسان، إذ أنها كلها تسير بحركة آلية أو شبه آلية، مدفوعة فيها بقوة عظيمة ولا إرادة لها فيها، بينما قد خلق الإنسان وله إرادة تجعله حرا في حركاته وتصرفاته، ثم إن له علقا أي روابط بغيره تقتضيها إنسانيته، وجعل له العقل لتدبير هذا العلق، ثم إنه جعل المخلوقات الأخرى مسخرات له، وخصه بميزة التمتع بجميع ما في الأرض، ومنحه قدرة على العمل فيها بالتعمير والتجميل والتركيب والتحليل والتسخير والتذليل، وقد بين الله تعالى من أجل ذلك سبيل معرفة الكائنات، وحثه على تعرف حقيقتها بدراسة خواصها وطبيعتها، ليتمكن من الحصول على موادها وتسخير قواها، بقوله تعالى " اقرأ باسم ربك الذي خلق "، والإنسان في تدرجه وارتقائه محتاج للعلوم، لتسهيل سبل هذا التدرج والارتقاء، فكان من كرم الله تعالى أن يسرها له، وأمره أيضا بدراستها دراسة علمية، فقال " اقرأ، وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم ".
ويلاحظ أن آية " خلق الإنسان من علق " بجعلها بهذه الصيغة، وفي هذا الموضع بين آية " اقرأ باسم ربك الذي خلق "، وبين " اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم "، قد أوجد تعالى بين الآيات جميعا،