فقلت يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا، فقال: يا أبا بكر!
ما ظنك باثنين، الله ثالثهما؟! ".
والهجرة، وإن كان قد مضى عليها 1378 عاما، ولكنها لا تنقطع ما بقي الجهاد، فعن عبد الله بن السعدي، رضي الله عنه، قال: وفدنا على النبي، صلى الله عليه وسلم، فقلت يا رسول! إني تركت قوما من خلفي، وهم يزعمون أن الهجرة قد انقطعت، فقال: لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار (1) "!
والهجرة هي مبدأ التوحيد والوحدة، فألف النبي بين الأوس والخزرج وآخى بين المهاجرين والأنصار، والرجوع بالعقيدة إلى مصدرها الصافي وبعد الهجرة بدأ القرآن ينزل بيانا للعبادات والمعاملات والنظم وأحوال الناس، بعد أن كان لا يذكر إلا قواعد الإيمان وبرهان التوحيد ومحاسن الأخلاق، فقرب فهم الشريعة الإسلامية للناس من وجهتيها الروحية والفقهية، فاعتنقها الناس بالقلوب، وهي الضاربة على أوتار القلوب، تصل إلى أعماقها بتيارات روحانياتها، وما بأسسها من صلة قويمة بحب الحق والخير والإصلاح، وإنا لننتظر اليوم الذي تصبح فيه مطبقة تطبيقا عالميا، ويعتنق الناس جميعا روحانياتها واجتماعياتها، البالغة مبلغا عظيما في الصعود بالأرواح والنفوس إلى مرقاة السمو الروحي والأخلاقي والاجتماعي (2)!
الرسول في قضائه:
كان نبينا، صلى الله عليه وسلم، يقتضي بكتاب الله تعالى، لا يحيد عن لفظ النص ولا روحه، وكان شديدا في الحق، لا يسمح بالشفاعة في الحدود، ومع هذا فقد كان يحب درء الحدود عن المسلمين ما استطاعوا، إذ يفهمنا النبي الكريم إنما الشفاعة قبل أن يبلغ السلطان، فللانسان أن يتسامح في حق نفسه، ولغيره أن يشف عند المجني عليه، قبل إبلاغه أولي الأمر، ومع إصلاح ذات البين، على أنه يراعي الحديث الشريف القائل " من حالت شفاعته، دون حد من حدود