الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ١٨
البوذية اليوم بين 300 و 400 مليون، وبوذا لقب معناه المستنير، هو جو تاما وكان أميرا في مملكة صغيرة في التاسعة والعشرين من عمره، متزوجا ووالدا لطفل رضيع، خرج في منتصف الليل، وصحبه خمسة رفاق!
وذات يوم بعد ست سنين من التعذيب النفسي الصارم، وبعد أن أحال نفسه إلى هيكل عظمي حتى سقط في غشية، ولما أفاق قرر أنه لكي يفتح الإنسان أسرار الكون، يجب أن يتبع طريقا وسطا بين إنكار النفس في نسك وتقشف، وبين الانغماس في الملاذ الحسية، وكان قراره هذا يعد ثورة على التعاليم الدينية، فنبذه أصدقاؤه الخمسة كمرتد مارق!
وقد جلس (جوتاما) تحت شجرة معينة عرفت فيما بعد باسم شجرة المعرفة وباللغة السنغالية باسم شجرة (بو)، وقد صمم على ألا ينهض من جلسته حتى ينال الاستنارة، وفي الساعات الأخيرة من الليل، راح في غيبوبة شاهد فيها بجلاء متأجج بالنور والحرارة كل السلاسل المتشابكة المعقدة للأسباب والمسببات التي تنظم هذه التعاسة المسماة بالحياة، وشاهد بنفس الوضوح طريق الخلاص المؤدي إلى النعمة، ولم يتردد في إعلان نفسه (بوذا) ومعناه الشخص المستنير، وعاد مباشرة إلى الرهبان الخمسة الذين تخلوا عنه، ولكنه حين اقترب منهم، هرعوا للقائه داعين إياه بالأخ!
ويرى بوذا أن سبب تعاسة الإنسان وعنائه هو الجهل، فنحن دائما نطمع إلى إشباع شئ فينا ندعوه النفس، ولكن النفس عنده لا وجود لها، فما نحن إلا تكوينات متنقلة يبلورها التتابع العام للحوادث ومجريات الأمور، فعلينا أن نهجر ذلك الوهم الخادع عن النفس، والاشتهاءات الجاهلة التي تسير معها جنبا إلى جنب، علينا أن نتعلم عن طريق تحرير عقولنا من الخرافة وتنظيم إرادتنا بصرامة وممارسة المحبة، وأن نلائم بين أنفسنا وبين الدنيا، وأن نكون متواضعين وألا نشتهي أي جزء فيها، ففي هذا يكمن السلام والسعادة الكاملة!
ومات في سن الثمانين، فكان يتجول في وادي نهر الكنج مستيقظا عند الفجر ليسير من 15 إلى 20 ميلا واعظا دون مكافأة ودون تفرقة بين الطبقات
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»