ونعيمها إلى زوال، وضراءها وبؤسها إلى نفاد، وكل مدة فيها إلى انتهاء وكل حي فيها إلى فناء، أوليس لكم في آثار الأولين مزدجر؟ وفي آبائكم الأولين تبصرة ومعتبر؟ إن كنتم تعقلون! أو لم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون، وإلى الخلف الباقين لا يبقون، أو لستم ترون أهل الدنيا يصبحون ويمسون على أحوال شتى، فميت يبكى وآخر يعزى، وصريع مبتلى، وعائد يعود، وآخر بنفسه يجود، وطالب للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى أثر الماضي ما يمضي الباقي! ألا فاذكروا هادم اللذات ومنغص الشهوات وقاطع الأمنيات، عند المساورة للأعمال القبيحة، واستعينوا الله على أداء واجب حقه، وما لا يحصى من أعداد نعمه وإحسانه (1) ".
ولقد جاء في الفصل الحادي والأربعين بعد المائة من إنجيل برنابا عن الموت:
" قولوا لي! كيف يولد الإنسان متى ولد؟ حقا إنه يولد عريانا، وأي جدوى له متى وسد ميتا تحت الثرى؟ ليس سوى خرقة يلف بها، وهذا هو الجزاء الذي يعطيه إياه العالم! فإذا كان يجب في كل عمل أن تكون الوسيلة على نسبة إلى البداية والنهاية، ليمكن إيصال العمل إلى نهاية حسنة، فما عسى أن تكون نهاية الإنسان الذي يشتهي الثروة العالمية؟ إنه للموت كما يقول داود نبي الله " إن الخاطئ ليموت شر ميتة "! إذا حاول خياط أن يدخل جذوعا في سم إبرة بدلا من خيط، فما يكون مصير عمله، إنه ليحاول عبثا، وجيرانه يزدرون به، فالانسان لا يرى أنه فاعل هذا على الدوام، وهو يجمع الخيرات الأرضية، لأن الموت هو الإبرة التي لا يمكن إدخال جذوع الخيرات الأرضية في سمها، ومع ذلك فهو بجنونه يحاول على الدوام أن يفلح في عمله، ولكن عبثا، ومن لا يصدق هذا في كلامي، فليتفرس في القبور، لأنه هناك يجد الحق، فمتى أراد أن يتبرز في الحكمة على من سواه في خوف الله، فليطالع كتاب القبر، لأنه هناك يجد التعليم الحقيقي لخلاصه، فإنه متى رأى أن جسد الإنسان يحفظ ليكون طعاما للديدان، تعلم أن يحذر العالم والجسد والحس! قولوا لي!