إذا كان هنالك طريق على حال يكون إذا سار معها امرء في الوسط، سار آمنا، فإذا سار على الجانبين شج رأسه، فماذا تقولون إذا رأيتم الناس يختصمون ويتبارون ليكونوا أقرب إلى الجانب ويقتلوا أنفسهم؟ ما أشد ما يكون عجبكم، حقا إنكم تقولون إنهم لمعتوهون ومجانين، وإنهم إذا لم يكونوا مجانين، فإنهم يائسون ".
أجاب التلاميذ " إن ذلك لصحيح "، حينئذ بكى يسوع وقال " إن عشاق العالم إنما هم لكذلك، لأنهم لو عاشوا بحسب العقل الذي اتخذ موضعا متوسطا في الإنسان، لا تبعوا شريعة الله وخلصوا من الموت الأبدي، ولكنهم جنوا وأصبحوا أعداء عتاة لأنفسهم، يتبعون الجسد والعالم، مجتهدين في أن يعيش كل منهم أشد غطرسة وفجورا من الآخر (1) "!
(5) يوم الدينونة:
" رحم الله امرأ تفكر فاعتبر، واعتبر فأبصر، فكأن ما هو كائن من الدنيا عما قليل لم يكن، وكأن ما هو كائن من الآخرة عما قليل لم يزل، وكل معدود منقض، وكل متوقع آت، وكل آت قريب دان! العالم من عرف قدره، وكفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدره، وإن من أبغض الرجال لعبدا وكله الله إلى نفسه، جائرا عن قصد السبيل، سائرا بغير دليل، إن دعى إلى حرث الدنيا عمل، وإن دعى إلى حرث الآخرة كسل، كأن ما عمل له واجب عليه، وكأن ما ونى فيه ساقط عنه (2) "!
" واعلموا أن مجازكم على الصراط ومزالق دحضه وأهاويل زلله وثارات أهواله، فاتقوا الله تقية ذي لب شغل التفكير قلبه وأنصب الخوف بدنه، وأسهر التهجد غرار نومه، وأظمأ الرجاء هواجر يومه، وظلف الزهد شهواته وأرجف الذكر بلسانه، وقدم الخوف لإبانه، وسلك أقصد المسالك في النهج المطلوب، ولم تفتله فاتلات الغرور، ولم تعم عليه مشتبهات الأمور، ظافرا