الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ١٠٨
" قال الكاتب " يا معلم إن كلامك حق، ولذلك قد تركنا كل شئ لنتبعك، فقل لنا إذا كيف يجب علينا أن نبغض جسدنا! الانتحار غير جائز، ولما كنا أحياء وجب علينا أن نقيته! أجاب يسوع: احفظ جسدك كفرس، تعش في أمان، لأن القوت يعطى للفرس بالمكيال، والشغل بلا قياس، ويوضع اللجام في فمه ليسير بحسب إرادتك، ويربط لكيلا يزعج أحدا، ويحبس في مكان حقير، ويضرب إذا عصى، فهكذا أفعل إذا أنت يا برنابا، تعش دواما مع الله! ولا يغيظنك كلامي، لأن داود النبي (1) فعل هذا الشئ نفسه كما يعترف قائلا " إني كفرس عندك وإني دائما معك " ألا قل لي أيهما أفقر؟ الذي يقنع بالقليل، أم الذي يشتهي الكثير؟ الحق أقول لكم، لو كان للعالم عقل سليم لم يجمع أحد شيئا لنفسه، بل كان كل شئ شركة، ولكن بهذا يعلم جنونه، إنه كلما جمع، زاد رغبة، وإن ما يجمعه، فإنما يجمعه لراحة الآخرين الجسدية، فليكفكم إذا ثوب واحد، ارموا كيسكم، لا تحملوا مزودا ولا حذاء في أرجلكم، لا تفكروا قائلين ماذا يحدث لنا، بل فكروا أن تفعلوا إرادة الله، وهو يقدم لكم حاجتكم، حتى لا تكونوا في حاجة إلى شئ " الحق أقول لكم إن الجمع كثيرا في هذه الحياة، يكون شهادة أكيدة على عدم وجود شئ يؤخذ في الحياة الأخرى، لأن من كانت أورشليم وطنا له، لا يبني بيوتا في السامرة، لأنه توجد عداوة بين المدينتين (2) "!

(١) كان سليمان عليه السلام أعظم فلاسفة اليهود، ولذا سموه بالحكيم، وكان ملكا نبيا، وكانت فلسفته قاصرة على الزهد والورع والتقوى، مع أقوال الحكمة التي نطق بها بعد أن اختبر بنفسه حلو الدهر ومره، ونال من دنياه ما ليس بعده مطمع لطامع، ثم رأى أن ذلك كله قد انقضى وزال، ولذلك افتتح كلامه الفلسفي بقوله " باطلة الأباطيل، وكل شئ على وجه الأرض باطل "، وقد ضم سفر سليمان إلى التوراة بعنوان نشيد الإنشاد، على أن أباه داود عليه السلام أقدر منه بالشر، ويجب الإيمان بزبور داود، وهو آية آيات البلاغة. راجع ص 29 من خواطر في الإسلام ج 1 للمرحوم الأستاذ عطا حسني.
(2) راجع ص 35 و 36 من إنجيل برنابا.
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»