صوت الحق ودعوة الصدق - الشيخ لطف الله الصافي - الصفحة ٥٣
وإلا فهذه فاطمة الزهراء بنت رسول الله وحبيبته سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة المطهرة عن الرجس، بحكم آية التطهير ماتت، وكانت عقيدتها ورأيها عدم شرعية حكومة أبي بكر، وماتت غاضبة على الشيخين فمن كانت عقيدته عقيدتها لا يؤاخذ بها، ونفس هذه العقيدة كانت عند غيرها ممن امتنع عن البيعة لأبي بكر.
ومن جانب آخر فهذه أم المؤمنين عايشة حاربت عليا الذي قال النبي صلى الله عليه وآله في حقه: علي مع الحق، والحق مع علي يدور معه حيثما دار، وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فحدثت من جراء ذلك في الإسلام فتنة كانت هي كالأساس لجميع الفتن التي حدثت بعدها إلى يومنا هذا.
ومع ذلك فأنتم تفضلونها على سائر أمهات المؤمنين (1).

(١) (حتى على زينب بنت جحش التي أطاعت أمر النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع حيث قال صلى الله عليه وآله في هذه الحجة مخاطبا نساءه:
(هذه الحجة ثم ظهور الحصر) وبالغت في الإطاعة حتى بلغ الأمر بها إلى حد أنها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تخرج من بيتها حتى للحج وكم كان بينها وبين عائشة من معارضة الأخيرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وردها عليه وعدم إطاعتها له من فرق ولإثبات ذك نذكر مثالا مما وقع في حجة الوداع وهو ما في السيرة الحلبية (ط مطبعة مصطفى محمد ج ٣ ص ٢٩٢ و ٢٩٣) من أنه في حجة الوداع (كان جمل عائشة رضي الله عنها سريع المشي من خفة حمل عائشة وكان جمل صفية بطئ المشي مع ثقل حملها فصار يتأخر الركب بسبب ذلك فأمر صلى الله عليه وسلم أن يجعل حمل صفية على جمل عائشة وأن يجعل حمل عائشة على جمل صفية فجاء صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها يستعطف خاطرها فقال لها: يا أم عبد الله حملك خفيف وجملك سريع المشي وحمل صفية ثقيل وجملها بطئ فأبطأ ذلك بالركب فنقلنا حملك على جملها وحملها على جملك ليسير الركب فقالت له: أنك تزعم أنك رسول الله (فقال) صلى الله عليه وسلم:
أفي شك أني رسول الله أنت يا أم عبد الله؟ قالت. فما بالك لا تعدل؟ قالت فكان أبو بكر رضي الله عنه فيه حدة فلطمني على وجهي فلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال. أما سمعت ما قالت؟ فقال: دعها فإن المرأة الغيراء لا تعرف أعلى الوادي من أسفله (ثم ذكر قصة عجيبة من أبي بكر لا حاجة لذكرها هنا).
أفيقاس من يرد على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة بغيرها). من أمهات المؤمنين اللاتي لم يحفظ عنهن التاريخ دون ذلك.
أتعرف في النساء الصحابيات من المهاجرات، والأنصار من خاطب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بمثل هذا الخطاب؟ ألا تقر أن أم المؤمنين عايشة لم تحز ما حازت من الإجلال إلا لأن السياسة شاءت واقتضت أن يكون لها هذا الشأن، وأن كثرة حديثها، ومن يحدث عنها والاعتناء بها لم تكن إلا لذلك.
نعم لا شك في أنها طاهرة مما قذفت به، ومن أنكر ذلك فهو كافر بالله، وبكتابه كما أن سائر أمهات المؤمنين أيضا كلهن طاهرات مما قذفت هي به وإن كان القرآن نزل بطهارتها خاصة. أما خطأها، في ما صدر عنها من الخروج على الإمام عليه السلام فذنب تاريخي لا ينكر، وما صدر عنها إلا لأنها كما قال سول الله صلى عليه وآله وسلم كانت (لا تعرف أعلى الوادي من أسفله).
ألا تعجب ممن يذكر اسمها حتى قبل اسم سيدة نساء العالمين الزهراء، وسيدة النساء خديجة؟ وعندي أن تفضيل كل واحد من الأمة، وغيرهم على سائر الناس لا يصح إلا بدليل صريح قاطع كما دل على أفضلية سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء والسيدة خديجة أم المؤمنين، والسيدة مريم بنت عمران، والسيدة آسية، وأما غيرهن فلا دليل على فضلهن على جميع النساء، ولم يدل دليل على أنه لا يوجد في نساء الأمة من غير أمهات المؤمنين أفضل من غير هذه الأربع لو لم نقل بدلالة الكتاب والسنة عليه بدليل قوله تعالى:
" عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ".
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 55 56 57 58 59 ... » »»