ودخل على أمير المؤمنين المنصور وعنده عيسى بن موسى العابد الزاهد فقال للمنصور هذا عالم الدنيا فقال له المنصور عمن أخذت العلم قال عن أصحاب عمر عن عمر رضي الله عنه فقال المنصور لقد استوثقت وكان يقوم كل الليل وسمع هاتفا في المنام وهو في الكعبة المشرفة يقول يا أبا حنيفة أخلصت الخدمة لي وأحسنت معرفتي فقد غفرت لك ولمن تبعك ببركة إخلاصك وإحسانك المذكورين إلى يوم القيامة وفي هذا من البشرى له ولأتباعه ما يحمل الموفق منهم على بذل طاقته في اقتفاء آثار إمامه فيما كان عليه من تلك الأخلاق العلية والصفات الطاهرة الزكية التي قل أن تجتمع إلا للعارفين والأئمة المجتهدين وتلمذ له كبار من الأئمة المجتهدين والعلماء الراسخين كالإمام الجليل المجمع على جلالة براعته وتقدمه وزهده عبد الله بن المبارك وكالإمام الليث وكالإمام مالك بن أنس وناهيك بهؤلاء الأئمة وكالإمام مسعر بن كدام وأبي يوسف ومحمد وزفر وغيرهم وما اشتغل رضي الله عنه بدعوة الناس إلى مذهبه إلا بالإشارة النبوية في المنام ليدعوهم إلى مذهبه بعدما قصد الانزواء والاستخفاء عنهم تواضعا واحتقارا لنفسه عن أن يجعل لها حظا ويرى منها أو لها فعلا حسنا يستحق رعاية الناس إلى الاقتداء والعمل به فلما جاء الإذن ممن فوضت إليه قسمة خزائن الله تعالى على مستحقيها علم أن ذلك حتم لا بد منه فدعى الناس إليه حتى ظهر مذهبه وانتشر وكثرت أتباعه وخذلت حساده ونفع الله به شرقا وغربا وعجما وعربا ورزق حظا وافرا في أتباعه فقاموا بتحرير أصول مذهبه وفروعه وامعنوا النظر في منقوله ومعقوله حتى صار بحمد الله محكم القواعد معدن القوائد ويؤيد ذلك ما حكاه بعض أصحاب المناقب أن ثابتا والده أتى به وهو صغير لعلي كرم الله وجهه فدعى له بالبركة ولذريته فكان ما أوتيه أبو حنيفة من بركة تلك الدعوة ولقى أنسا الصحابي وغيره رضي الله عنهم ونظم بعضهم من لقى من الصحابة فقال لقى الإمام أبو حنيفة ستة * من صحب طه المصطفى المختار أنسا و عبد الله بخل أنيسهم * وسميه ابن الحارث الكرار وزر ابن أوفى ثم واثلة الرضى * واضمم إليهم معقل بن يسار ومولده رضي الله عنه سنة ثمانين وموته بالمائة والخمسين وأما الإمام مالك رضي الله عنه
(٤)