الجمع في هذا القياس الفاسد بغير علة شرعية (الخامس): الجمع هذا القياس الفاسد بغير علة شرعية، لأن إرادة نفع الجاه من الأغراض التي تدعو النفوس إليها، فمن اتبعها اتبع نفسه إذ قد أعطاها مطلوبها.
مسأل التوسل من فروع القاعدة المتقدمة وما كان من الأغراض النفسانية قد علم أن الشرع جعل لبعضه طرقا توصل إليه وحظر عليه ما سواها، فجعل لإرادة نفع الجاه طريق التوسل، وحرم طريق العبادة، وحينئذ فمسألة من فروع القاعدة المتقدمة، وقد بين فيها أن تلك الأغراض لا يجمع بها القياس لأن الشرع لم يعينها للتعليل ولا المكلف يقصد بها اتباع الشرع، إذ ليس الحامل له على ذلك الاتباع، فإن قيل: لا يسلم ابن تيمية أنه جمع في هذا القياس بالأغراض النفسانية، بل يزعم أنه جمع بعلة شرعية فإن تعليل العبادة الوثنية بنفع الجاه مما أومأ إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) وبها تمسك ابن تيمية ومقلده محمد بن عبد الوهاب في تكفير المسلمين المتوسلين وكرر الثاني لوكها في رسائله، فالجواب لا يتمسك بها فيه إلا غبي لأن العلة الشرعية المعتبرة في الجمع المراد بها علة الحكم من الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة لا علة نفس الفعل الحاملة لفاعله عليه.
والقرآن العظيم إنما أشار إلى أن تعليلهم الذي عللوا به عبادتهم وحملهم عليها فاسد فهو باب التنبيه على ضلالهم وإنما يكون من قبيل العلة الشرعية لو قال الله تعالى حرمت عبادة الأوثان لإرادة نفع الجاه منها، وأومأ إلى ذلك أو نبه بمسلك من مسالك العلة عليه ولم يقل ذلك ولم يشر إليه بحال، بل أشار في مواضع كثيرة إلى أن العلة في تحريمها وتكفير فاعلها عدولهم بها عن خالقهم المستحق لها ووضعهم الشئ في غير محله بإذلال نفوسهم المملوكة لغير مالكها وتعظيمهم من لا يملك دفع الضر عن نفسه،