على أن الكفر أمر باطني لا يعلمه إلا الله فالحكم به على واحد من المسلمين خطير جدا، فكيف الحكم به على الأمة الإسلامية كلها؟، فهذا لا يتفوه به إلا من نزع من قلبه مخافة المنتقم الجبار، فقد برهن بهذا الكلام، على أنه مقتد بأسلافه الحروريين الذين كفروا كثيرا من سادات المسلمين الصحابة رضوان الله عليهم والأمة الإسلامية جمعاء إلا من وافقهم على هواهم، ولذلك جاء في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال فيهم: (هم شرار الخلق عمدوا إلى آيات نزلت في الكفار فحملوها على المؤمنين)، فهو في المائة الثامنة مجدد الربوع البالية يحمل الآيات الواردة في الكفار على المؤمنين كما حملها عليهم أسلافه كلاب النار، فالذي قال من العلماء إنه كفر ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين فقط، والذي قال منهم إنه طعن في الشريف أبي الحسن الشاذلي، والذي قال إنه طعن في رجال الصوفية جميعا، والذي قال إنه كفر إمام الحرمين أبا المعالي الجويني وتلميذه أبا حامد الغزالي، كلهم صادقون، لأن كلا منهم اطلع على قبيحة من قبائحه المدسوسة المفرقة في كتبه ورسائله، ولم يطلعوا على كلامه هذا ولو اطلعوا عليه لتحققوا إنه كفر الأمة الإسلامية جمعاء، متكلمين وفقهاء ومحدثين وصوفية، في مقدمتها سلفها الصالح الصحابة والتابعون وأتباعهم رضوان الله عليهم.
فإن قيل: منطوق كلامه في حكمه بالشرك خاص بفرق المتكلمين فكيف عممته في الأمة الإسلامية كلها، فادعيت إنه متناول للصحابة والتابعين وأتباعهم وللفقهاء والمحدثين والصوفية؟. قلت: الصحابة وعلماء التابعين وأتباعهم ومن بعدهم من علماء المسلمين كلهم متكلمون، والدليل عليه عشرة أوجه:
(الأول) علم الكلام علم قرآني فإنه مبسوط في كلام الله تعالى بذكر الإلهيات والنبويات والسمعيات والثلاثة مجموعة، مع ذكر ما يتوقف عليه وجود الصانع من حدوث العالم المشار إليه بخلق السماوات والأرض والنفوس وغيرها والإشارة إلى مذاهب المبطلين والطبائعيين وإنكار ذلك عليهم والجواب عن شبه المبطلين المنكرين لشئ من ذلك، إمكانا أو وجودا، كقوله تعالى: (كما بدأنا أول خلق نعيده)، وقوله