فاستدبر القبلة وأقبل بوجهه إلى القبر فبكى بكاء غير متباك * وقال إبراهيم الحربي في مناسكه تولى ظهرك القبلة وتستقبل وسطه يعني القبر وتقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته * وقال ابن بطال في شرح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة * بعد ان حكى القولين المشهورين قال واستدل الثاني بقوله ارتعوا في رياض الجنة يعني حلق الذكر والعلم قال ويكون معناء التحريض على زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده انتهى * ولو استوعبنا الآثار وأقاويل العلماء في ذلك لخرجنا إلى حد الطول والملل * فان قلت قد كره مالك رحمه الله أن يقال زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم * قلت قال القاضي عياض قد اختلف في معنى ذلك فقيل كراهية الاسم لما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله زوارات القبور وهذا يرده قوله كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها وقوله من زار قبري فقد أطلق اسم الزيارة وقيل لان ذلك لما قيل إن الزائر أفضل من الموزر وهذا أيضا ليس بشئ إذ ليس كل زائر بهذه الصفة وليس عموما وقد ورد في حديث أهل الجنة لزيارتهم لربهم ولم يمنع هذا اللفظ في حقه والأولى عندي أن منعه وكراهة مالك له لإضافته إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لو قال زرنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يكرهه لقوله صلى الله عليه وسلم اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد * فحمى إضافة هذا اللفظ إلى القبر والتشبيه بفعل أولئك قطعا للذريعة وحسما للباب والله أعلم هذا كلام القاضي * وما اختاره يشكل عليه قوله من زار قبري فقد أضاف الزيارة إلى القبر الا أن يكون هذا الحديث لم يبلغ مالكا فحينئذ يحسن ما قاله القاضي في الاعتذار عنه لا في اثبات هذا الحكم في نفس الامر ولعله يقول إن ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا محذور فيه والمحذور انما هو في قول غيره وقد قال عبد الحق الصقلي عن أبي عمران المالكي
(٦٢)