وهذه تعم جميع القبور والأموات وتارة يقصد بها الاستمداد والتبرك بالمزور وهذا يختص بالأنبياء والأولياء والصالحين ألم يعلموا أن الإنسان يتأثر بتصوراته وإن نفسه تحت قهر سلطان الوهم فكم من إنسان تحقق أنه سيقتل لا محالة فتصور الموت واقعا به فمات بسبب ذلك قبل أن يقتل كذلك إذا زار إنسان مشهد الحسين رضي الله عنه مثلا واعتقد أنه بمكان طاهر بين يدي ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم استولى عليه الخشوع والخضوع وامتلأ قلبه إخلاصا فيدعو الله مخلصا موقنا بالإجابة خصوصا إذا اعتقد أن روح الحسين رضي الله عنه مثلا تسأل الله إجابة دعاء زائره أليس ذلك سببا في إجابة الدعاء وقضاء حوائج الزائرين المخلصين والله هو المؤثر ولا نرى زائرا مسلما ولو عاميا يتوهم فضلا عن أن يعتقد أن لله شريكا من خلقه فمهما اعتقد الزائر من علو درجة المزور فلا يعتقد فيه إلا أنه عبد مقرب لله يسأل الله كما يسأله الزائر وأن المزور أطهر منه روحا وأصفى نفسا بما أعطاه الله من الكمال الإنساني وإن كان العوام لا يستطيعون التعبير عما تكنه صدورهم من حسن العقيدة وكمال الإيمان اللهم إيمانا كإيمان العجائز فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا تراهم فريقا جعلوا ديدنهم ذم العلماء سلفا وخلفا لا فرق في ذلك بين الأحياء والأموات والطعن عليهم وإلقاء الشبهات وذرها في عيون بصائر الضعفاء لتعمى أبصارهم عن عيوب هؤلاء يقصدون بذلك إلقاء العداوة والبغضاء بين العامة والعلماء فيخلو لهم الجو ويسعون في الأرض فسادا ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون يزعمون أنهم قائمون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حاضون الناس على اتباع الشرع واجتناب البدع والله يشهد أنهم لكاذبون وهذا ديدن ابن تيمية في عصره وديدن كل من هم على شاكلته في كل عصر يقولون آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون يلومون العلماء في هذا العصر وغيره على تقاعدهم عن الأمر بالمعروف
(١٧)