لا تدركه كذلك النفس لا تدرك إلا ما كان من عالم الملك ما دامت فيه ولا تدرك كنه ما كان خارجا عنه فوق طور العقل ولا تدرك كنه نفسها لشدة القرب ولا ما لم يخلق فيها استعداد لإدراكه كحقيقة الخالق وصفاته وكما أن العين قد تخلق خالية عن قوة الإبصار كعين الأكمه أو يعرض لها بعد خلق القوة فيها ما يزيل أو ينقص تلك القوة كذلك النفس قد توجد في هذا العالم من أول الأمر خالية عن قوة التمييز وتبقى كذلك إلى أن تعود إلى عالمها عالم النفوس والأرواح وقد يعرض لها في عالم الأجسام ما يزيل أو ينقص إدراكها للحقائق على وجهها كالجنون وارتكاب المعاصي والتعصب والعناد والغرض وكما أن العيون متفاوتة في قواها فبعضها يدرك القريب والمتوسط والبعيد وبعضها لا يدرك إلا المتوسط والقريب أو القريب فقط كذلك النفوس متفاوتة في قواها فبعضها يدرك الجلي والخفي والأخفى وبعضها يدرك الجلي فقط أو الجلي والخفي ولا يدرك الأخفى وكما أن العين لا تبصر الأشياء إلا إذا أشرق عليها النور وخرجت من الظلمات وارتفعت الحجب كذلك النفوس لا تدرك حقائق الأشياء إلا إذا أشرق عليها نور التعليم الذي جاء به الرسل عليهم الصلاة والسلام في شرائعهم من لدن العليم الخبير وخرجت به الحقائق من ظلمات الخفاء وكما أنه يلزم للعين أدوية تحفظها مما يعرض لها من الأمراض التي تزيل أو تنقص قوة إبصارها وأدوية تزيد في جلائها بإزالة أمراضها الخفية فيقوى إدراكها وأدوية تزيل ما عرض لها من الأمراض الظاهرة كذلك النفوس يلزم لها أدوية تحفظها من عروض الأمراض النفسانية لها التي تزيل أو تنقص إدراكها للحقائق وأدوية تزيد في قوة إدراكها حتى تجول في ملكوت السماوات والأرض فتزداد معارفها ويفاض عليها من العلوم والمعارف ما لا يفاض عليها بدون استعمال تلك الأدوية وأدوية تزيل ما عرض لها من تلك الأمراض وكما أنه لا يقف على أمراض العيون وأنواعها ويقدر على تمييزها وتشخيصها ويعرف
(٣)