ذلك قال وهذا هو العالم الكامل عندنا انتهى وسمعته مرارا يقول الجدال في الشريعة من بقايا النفاق لأنه يراد به ادحاض حجة الغير من العلماء وقد قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فنفى تعالى الإيمان عمن يجد في الحكم عليه بالشريعة حرجا وضيقا قال صلى الله عليه وسلم عند نبي لا ينبغي التنازع ومعلوم أن نزاع الإنسان لعلماء شريعته وجدالهم وطلب ادحاض حججهم التي هي الحق كالجدال معه صلى الله عليه وسلم وإن تفاوت المقام في العلم فإن العلماء على مدرجة الرسل درجوا وكما يجب علينا الإيمان والتصديق بكل ما جاءت به الرسل وإن لم نفهم حكمته فكذلك يجب علينا الإيمان والتصديق بكلام الأئمة وإن لم نفهم علته حتى يأتينا عن الشارع ما يخالفه وقد تقدم نقل الاجماع على وجوب الإيمان والتصديق بشرائع الرسل كلهم وإن اختلفوا في التشريع وإنها كلها حق مع اختلافها وتباينها وكذلك القول في مذاهب الأئمة المجتهدين يجب الإيمان بصحتها على سائر المقلدين الذين يشهدون تباينها وتناقضها حتى يمن الله تعالى عليهم بالإشراف على عين الشريعة المطهرة الكبرى واتصال جميع أقوال العلماء بها فهناك يجد أحدهم جميع مذاهب المجتهدين ومقلديهم ترجع إلى الشريعة المطهرة لا يخرج عنها من أقوالهم قول واحد لرجوعها جميعا إلى مرتبتي الشريعة المطهرة من تخفيف وتشديد فما ثم عند صاحب هذا المشهد تخطئة لأحد من العلماء في قول له أصل فيها أبدا وإن وقع أن أحدا من المقلدين خطأ أحدا في شئ من ذلك فليس هو خطأ في نفس الأمر وإنما هو خطأ عنده فقط لخفاء مدركه عليه لا غير * وروينا عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه كان يقول التسليم نصف الإيمان قال له الربيع الجيزي بل هو الإيمان كله يا أبا عبد الله فقال وهو كذلك وكان الإمام الشافعي يقول من كمال إيمان العبد أن لا يبحث في الأصول ولا يقول فيها لم ولا كيف فقيل له وما هي الأصول فقال هي الكتاب والسنة وإجماع الأمة انتهى أي فنقول في كل ما جاءنا عن ربنا أو نبينا آمنا بذلك على علم ربنا فيه ويقاس بذلك ما جاء عن علماء الشريعة فنقول آمنا بكلام أئمتنا من غير بحث فيه ولا جدال فإن قلت فهل يصح لأحد الآن الوصول إلى مقام أحد من الأئمة المجتهدين فالجواب نعم لأن الله تعالى على كل شئ قدير ولم يرد لنا دليل على منعه ولا في نفس الأدلة الضعيفة هذا ما نعتقده وندين الله تعالى به وقد قال بعضهم إن الناس الآن يصلون إلى ذلك من طريق الكشف فقط لا من طريق النظر والاستدلال فإن ذلك مقام لم يدعه أحد بعد الأئمة الأربعة إلا الإمام محمد بن جرير ولم يسلموا له ذلك كما مر وجميع من ادعى الاجتهاد المطلق إنما مراده المطلق المنتسب الذي لا يخرج عن قواعد إمامه كابن القاسم واصبغ مع مالك وكمحمد وأبي يوسف مع أبي حنيفة وكالمزني والربيع مع الشافعي إذ ليس في قوة أحد بعد الأئمة الأربعة أن يبتكر الأحكام ويستخرجها من الكتاب والسنة فيما نعلم أبدا ومن ادعى ذلك قلنا له فاستخرج لنا شيئا لم يسبق لأحد من الأئمة استخراجه فإنه يعجز فليتأمل ذلك مع ما قدمناه آنفا من سعة قدرة الله تعالى لا سيما والقرآن لا تنقضي عجائبه ولا أحكامه في نفس الأمر فاعلم ذلك والحمد لله رب العالمين
(٤٢)