هات لنا عنه ذلك بسند متصل منك إليه في هذه المسألة أنه صرح بذلك ولعله لا يجد ذلك أبدا لا سيما وقد انعقد الاجماع على أن الأولى للشخص مراعاة الخروج من الخلاف في كل عبادة أداها وهذه القاعدة هي مدار اصطلاح صاحب هذه الميزان وهناك نقول له إن ذلك شهادة منك على إمامك بالجهل بمرتبتي الشريعة وعدم اطلاعه على العين الأولى من الشريعة كما اطلع عليها بقية المجتهدين ونقول له أيضا أين اعتقادك في ورع إمامك الذي كان لا يدون مسألة واحدة مما استنبطه من الكتاب والسنة حتى يعقد لها مجلسا من العلماء ويقول أترتضون هذا فإذا قالوا نعم قال لأبي يوسف أو محمد بن الحسن أكتب ذلك وإن لم يرتضوه تركه واعتقادنا في جميع الأئمة المجتهدين إنهم كانوا لا يثبتون لهم قولا في الشريعة إلا عند فقدهم النص في ذلك عن الشارع فلو أن الإمام أبا حنيفة ظفر بحديث من مس فرجه فليتوضأ لقال به أيضا وحمله على أهل العافية من الوسواس مثلا أو على الأكابر من العلماء والصالحين ونزل الحديثين على مرتبتي الميزان وقس على ذلك يا أخي كل ما كان واجب الفعل أو الترك في مذهبك فلك فعله إن كنت من أهله ولك تركه إن عجزت عن فعله حسا أو شرعا فالعجز الحسي معروف والعجز الشرعي هو كما إذا رأيت الماء مثلا وحال دونه مانع من سبع أو قاطع طريق مثلا وقد تقدم أول الميزان إن مرتبتيها على الترتيب الوجوبي لا على التخيير فإياك أن تذهل عن ذلك وكذلك تقدم إن كل من نازعنا من المقلدين في حمله الدليلين أو القولين على حالين وادعى أن إمامه كان يطرد القول بالتشديد أو التخفيف في حق كل قوي وضعيف طالبناه بالنقل الصحيح عن إمامه أو خطأناه فيما ادعى وكل من نور الله تعالى قلبه وعرف مقام الأئمة في الورع وعدم القول بالرأي في دين الله تعالى شهد لهم كلهم بأن أحدا منهم كان لا يفتي أحدا برخصة إلا أن رآه عاجزا ولا بعزيمة إلا أن رآه قادرا وإن لم يكن صاحب الواقعة حاضرا عند إمامه حين أفتى الناس بذلك حتى أن صاحب هذا النور يعرف جميع المسائل التي أفتى بها إمامه الأقوياء والضعفاء على التفصيل وقد تحققنا بمعرفة ذلك والحمد لله * إذا علمت ذلك فيقال لكل مقلد امتنع من العمل بقول غير إمامه في مضايق الأحوال امتناعك هذا تعنت لا ورع لأنك تقول لنا إنك تعتقد أن سائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم وإن كل إمام عملت بقوله منهم فأنت على هدى من ربك فيه وذلك لاغتراف الأئمة كلهم مذاهبهم من عين الشريعة ثم إن جميع ما اغترفوه منها لا يخرج عن مرتبتي الميزان أبدا كما لا تخرج أنت عن أن تكون من أهل واحدة منهما فتعمل بما أنت أهله من رخصة أو عزيمة كما سيأتي بسطه في الجمع بين أقوال أئمة المذاهب إن شاء الله تعالى فإن قال الشافعي أيضا فعلى ما قررتموه في هذه الميزان فلي أن أصلي بلا قراءة فاتحة الكتاب مع القدرة عليها قلنا له هي عزيمة فإن قدرت على قراءتها لم يجزئك غيرها وإن كنت عاجزا عن قرائتها فاقرأ بغيرها وعلى ذلك مع الاصطلاح المتقدم قريبا يحمل قول الإمام أبي حنيفة بعدم تعينها وإن عمم مقلدوه الحكم في ذلك للقادر والعاجز فافهم والحمد لله رب العالمين * (فصل) * ومما يدلك على صحة ارتباط جميع أقوال علماء الشريعة بعين الشريعة
(٤٠)