هذه الأمة موافق للشريعة في نفس الأمر وإن لم يظهر لبعض المقلدة ذلك كما أن كل قول من أقوال علماء هذه الشريعة موافق لشريعة نبي ممن تقدم وأن من علم بما اتفق عليه العلماء كلهم فكأنه عمل بغالب شرائع الأنبياء وربما كان له من الأجر كأجر جميع اتباع الأنبياء كلهم إكراما لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول كل من نور الله تعالى قلبه علم أن سكوت العلماء على من انتقل من مذهب إلى آخر إنما هو لعلمهم بأن الشريعة تعمهم كلهم وتشملهم فيحمل قول من رجح قول إمامه على غيره على أنه لم يبلغ إلى مقام الكمال حال قوله ذلك وقد قدمنا في إيضاح الميزان وجوب اعتقاد الترجيح على كل من لم يصل إلى الإشراف على العين الأولى من الشريعة وبه صرح إمام الحرمين وابن السمعاني والغزالي والكيا الهراسي وغيرهم وقالوا لتلامذتهم يجب عليكم التقيد بمذهب إمامكم الشافعي ولا عذر لكم عند الله تعالى في العدول عنه انتهى ولا خصوصية للإمام الشافعي في ذلك عند كل من سلم من التعصب بل كل مقلد من مقلدي الأئمة يجب عليه اعتقاد ذلك في إمامه ما دام له يصل إلى شهود عين الشريعة الأولى وأما قوله صلى الله عليه وسلم الأئمة من قريش فيحتمل أن يكون مراده الخلافة ويحتمل أن يكون مراده إمامة الدين وإذا تطرق الاحتمال سقط الاستدلال وقد فتش العلماء فوجدوا غالب الأئمة المجتهدين من الموالي كالإمام أبي حنيفة والإمام مالك فإنه من بني أصبح والنخعي من النخع وهم قوم من اليمن لا من قريش ومحمد بن الحسن والإمام أحمد شيبانيين وهما من ربيعة لا من قريش ولا من مضر والثوري من بني ثورين عمرو بن أد وكذلك مكحول والأوزاعي من الموالي وأضرابهم والحمد لله رب العالمين * (فصل) * في بيان استحالة خروج شئ من أقوال المجتهدين عن الشريعة وذلك لأنهم بنوا قواعد مذاهبهم على الحقيقة التي هي أعلى مرتبتي الشريعة كما بنوها على ظاهر الشريعة على حد سواء وإنهم كانوا عالمين بالحقيقة أيضا خلاف ما يظنه بعض المقلدين فيهم فكيف يصح خروج شئ من أقوالهم عن الشريعة ومن نازعنا في ذلك فهو جاهل بمقام الأئمة فوالله كانوا علماء بالحقيقة والشريعة معا وإن في قدرة كل واحد منهم أن ينشر الأدلة الشرعية على مذهبه ومذهب غيره بحكم مرتبتي هذه الميزان فلا يحتاج أحد بعده إلى النظر في أقوال مذهب آخر لكنهم رضي الله عنهم كانوا أهل إنصاف وأهل كشف فكانوا يعرفون أن الأمر يستقر في علم الله تعالى على عدة مذاهب مخصوصة لا على مذهب واحد فأبقى كل واحد لمن بعده عدة مسائل عرف من طريق كشفه أنها تكون من جملة مذهب غيره فترك الأخذ بها من باب الإنصاف والاتباع لما أطلعهم الله تعالى عليه من طريق كشفهم أنه مراد له تعالى لا من باب الايثار بالقرب الشرعية والرغبة عن السنة كما اطلع الأولياء على قسمة الأرزاق المحسوسة لكل إنسان فانظر يا أخي في أقوال أئمة المذاهب تجد أحدهم إن خفف في مسألة شدد في مسألة أخرى وبالعكس كما سيأتي بسطه في توجيه أقوالهم في أبواب الفقه إن شاء الله تعالى وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول إنما أيد أئمة المذاهب مذاهبهم بالمشي على قواعد الحقيقة مع الشريعة إعلاما لأتباعهم
(٤٧)