نحو ذلك الشيخ محيي الدين أوائل الفتوحات فقال من علامة العلوم الدينية إن تمجها العقول من حيث أفكارها ولا يكاد أحد من غير أهلها يقبلها إلا بالتسليم لأهلها من غير ذوق وذلك لأنها تأتي أهلها من طريق الكشف لا الفكر وما تعود العلماء أخذ العلوم إلا من طريق أفكارهم فإذا أتاهم علم من غير طريق أفكارهم أنكروه لأنه أتاهم من طريق غير مألوفة عندهم انتهى ومن هنا تعلم يا أخي إن من أنكر هذه الميزان من المحجوبين فهو معذور لأنها من العلوم اللدنية التي أوتيها الخضر عليه السلام بيقين فاعلم ذلك والحمد لله رب العالمين * (فصل) * في بيان تقرير قول من قال إن كل مجتهد مصيب أو المصيب واحد لا بعينه وحمل كل قول على حالة وبيان ما يؤيد هذه الميزان * اعلم أن مما يؤيد هذه الميزان ما أجمع عليه أهل الكشف وصرح به الشيخ محيي الدين في الكلام على مسح الخف من الفتوحات فقال لا ينبغي لأحد قط أن يخطئ مجتهدا أو يطعن في كلامه لأن الشرع الذي هو حكم الله تعالى قد قرر حكم المجتهد فصار شرعا لله تعالى بتقرير الله تعالى إياه قال وهذه مسألة يقع في محظورها كثير من أصحاب المذاهب لعدم استحضارهم ما نبهناهم عليه مع كونهم عالمين به فكل من خطأ مجتهدا بعينه فكأنه خطأ الشارع فيما قرره حكما انتهى وفي هذا الكلام ما يشعر بإلحاق أقوال المجتهدين كلها بنصوص الشارع وجعل أقوال المجتهدين كأنها نصوص للشارع في جواز العمل بها بشرطه السابق في الميزان ويؤيد ذلك أيضا قول علماءنا لو صلى إنسان أربع ركعات لأربع جهات بالاجتهاد فلا قضاء مع أن ثلاث جهات منها غير القبلة بيقين ولكن لما كانت كل ركعة مستندة إلى الاجتهاد قلنا بالصحة ولم تكن جهة أولى بالقبلة من جهة ومما يؤيد ذلك أيضا ما أجمع عليه أهل الكشف من أن المجتهدين هم الذين ورثوا الأنبياء حقيقة في علوم الوحي فكما أن النبي معصوم كذلك وارثه محفوظ من الخطأ في نفس الأمر وإن خطأه أحد فذلك الخطأ إضافي فقط لعدم اطلاعه على دليل فإن جميع الأنبياء والرسل في منازل رفيعة لم يرثهم فيها إلا العلماء المجتهدون فقام اجتهادهم مقام نصوص الشارع في وجوب العمل به فإنه صلى الله عليه وسلم أباح لهم الاجتهاد في الأحكام تبعا لقوله تعالى ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ومعلوم أن الاستنباط من مقامات المجتهدين رضي الله عنهم فهو تشريع عن أمر الشارع كما مر فكل مجتهد مصيب من حيث تشريعه بالاجتهاد الذي أقره الشارع عليه كما أن كل نبي معصوم انتهى * وسمعت بعض أهل الكشف يقول إنما تعبد الله تعالى المجتهدين بالاجتهاد ليحصل لهم نصيب من التشريع ويثبت لهم فيه القدم الراسخة فلا يتقدم عليهم في الآخرة سوى نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم فيحشر علماء هذه الأمة حفاظ أدلة الشريعة المطهرة العارفون بمعانيها في صفوف الأنبياء والرسل لا في صفوف الأمم فما من نبي أو رسول إلا وبجانبه عالم من علماء هذه الأمة أو اثنان أو ثلاثة أو أكثر وكل عالم منهم له درجة الأستاذية في علم الأحكام والأحوال والمقامات والمنازلات إلى ختام الدنيا بخروج المهدي عليه السلام ومن هنا نعلم أن جميع المجتهدين تابعون
(٣٥)