الرحمة كل أحد بما يناسبه من مسلم وغيره رحمة إيجاد أو رحمة إمداد أو رحمة إمهال بالعقوبة ويكون من الكرسي نظرا إلى الأعمال والأقوال المكروهة فيسرع إلى أهلها بالعفو والتجاوز ولهذا كان يؤجر تارك المكروه ولا يؤاخذ فاعله وأما السدرة فهي المرتبة الخامسة وإنما سميت منتهى لأنها لا يجاوزها شئ من أعمال بني آدم بمقتضى أن الأمر والنهي ينزل من قلم إلى لوح إلى عرش إلى كرسي إلى سدرة ثم يتعلق بعد ذلك بمظاهر المكلفين فليس للأحكام محل يجاوز السدرة للاستقرار فيه بينها وبين مظاهر المكلفين أبدا فهي منتهى مستقرات الأحكام في العالم العلوي فليتأمل * وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول المباح قسم النفس وهو خاص بالسدرة وإليها تنتهي نفوس عالم السعادة وإلى أصولها وهو الزقوم تنتهي نفوس عالم الشقاء الأبدي فاعلم ذلك فإنه نفيس والحمد لله رب العالمين * (فصل) * فإن ادعى أحد من العلماء ذوق هذه الميزان والتدين بها هل نصدقه أو نتوقف في تصديقه فالجواب أننا نسأله عن منازع أقوال مذاهب العلماء المستعملة والمندرسة فإن قررها كلها وردها إلى مرتبتين وعرف مستنداتها من الكتاب والسنة كأصحابها صدقناه وإن توقف في توجيه شئ من ذلك تبين أنه لا ذوق له فيها وإنما هو عالم بها مسلم لأهلها لا غير واعلم أن مرادنا بمنزع كل قول منشأه مثال ذلك قول بعض العلماء بتحريم رؤية وجه الأمرد الجميل فهذا القول منشأه الاحتياط ودليل هذا المحتاط نحو قوله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك * قال بعضهم ومن تأمل نحو قوله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن وعلم أن النهي عن القرب بغير الوجه المطلوب إنما هو تنفير مما لعله يؤدي إليه من الأضرار باليتيم وماله لاحت له أسرار منازع أقوال العلماء العاملين والأئمة المجتهدين فليتأمل والله أعلم وقد تقدم أن الله تعالى لما من علي بالاطلاع على عين الشريعة رأيت المذاهب كلها متصلة بها ورأيت مذاهب الأئمة الأربعة تجري جداولها كلها ورأيت جميع المذاهب التي اندرست قد استحالت حجارة ورأيت أطول الأئمة جدولا الإمام أبا حنيفة ويليه الإمام مالك ويليه الإمام الشافعي ويليه الإمام أحمد بن حنبل وأقصرهم جدولا مذهب الإمام داود وقد انقرض في القرن الخامس فأولت ذلك بطول زمن العمل بمذاهبهم وقصره فكما كان مذهب الإمام أبي حنيفة أول المذاهب المدونة تدوينا فكذلك يكون آخرها انقراضا وبذلك قال أهل الكشف ثم لما نظرت إلى مذاهب المجتهدين وما تفرع منها في سائر الأدوار إلى عصرنا هذا لم أقدر أخرج قولا واحدا من أقوالهم عن الشريعة لشهودي ارتباطها كلها بعين الشريعة الأولى ومن أقرب مثال لذلك شبكة صياد السمك في أرض مصر فإن العين الأولى منها مثال عين الشريعة المطهرة فانظر إلى العيون المنتشرة منها إلى آخر الأدوار التي هي مثال أقوال الأئمة المجتهدين ومقلديهم إلى يوم القيامة تحط علما بصورة ارتباط أقوالهم بعين الشريعة وتجد كل عين مرتبطة بما فوقها حتى تنتهي إلى العين الأولى فيا سعادة من أطلعه الله تعالى على عين الشريعة الأولى كما اطلعنا ورأى أن كل مجتهد مصيب ويا فوزه ويا كثرة سروره إذا رآه جميع
(٣٢)