تنوير الحلك - جلال الدين السيوطي - الصفحة ١٧
وقد دل على ذلك تصريح الشارع وإيماؤه ومن القرآن قوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فهذه الحالة وهي الحياة في البرزخ بعد الموت حاصلة لآحاد هذه الأمة من السعداء وحالهم أعلى وأفضل ممن يكون له هذه الرتبة لا سيما في البرزخ ولا يكون رتبة أحد من الأمة أعلى من رتبة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بل إنما حصل لهم هذه الرتبة ببركته وتبعيته واتصافا بما استحقوا هذه الرتبة بالشهادة والشهادة حاصلة للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم على أتم الوجوه وقال صلى الله تعالى عليه وسلم مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره وهذا صريح في إثبات الحياة لموسى عليه السلام فإنه وصفه بالصلاة وأنه كان قائما ومثل هذا لا يوصف به الروح وإنما يوصف به الجسد وفي تخصيصه بالقبر دليل على هذا فإنه لو كان من أوصاف الروح لم يحتج لتخصيصه بالقبر فإن أحدا لم يقل إن أرواح الأنبياء مسجونة في القبر مع الأجساد وأرواح السعداء والمؤمنين في الجنة وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لم يصح له صلاة في عمره إلا صلاة واحدة وذلك أني كنت بالمسجد الحرام في صلاة الصبح فلما أحرم الإمام وأحرمت أخذتني آخذة ثم سرنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بين مكة والمدينة فمررنا بواد فقال أي واد هذا فقالوا وادي الأزرق فقال كأني أنظر إلى موسى واضعا إصبعيه في أذنيه له جوار إلى الله بالتلبية مارا بهذا الوادي ثم سرنا حتى أتينا على سرية ثنية قال كأني أنظر إلى يونس على ناقة ضمراء عليه جبة صوف مارا بهذا الوادي ملبيا سئل هنا كيف ذكر حجهم وتلبيتهم وهم أموات وأجيب بأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا ويتقربوا بما استطاعوا وإن كانوا في الأخرى فإنهم في هذه الدنيا التي هي دار عمل متى
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»