لكن (الحسن) استجابة لطبيعة المسالمة، رأى أن يبقى أبوه بالمدينة، بل وأن يعتكف في داره حتى تمر الفتنة بسلام..!!
هذه المواقف الثلاثة تكشف عن طبيعة صاحبها، وعن مدى تعلقه بالأناة، وإيثاره السلام.
وأما عن التقدير الثاني، الذي أزجته ظروف الحرب وآثارها، فإن الحرب التي خاضها (الإمام علي) كانت قد فجرت من المشاكل والهموم ما يهد الجبال.
وكانت آثارها المرهقة، قد أجهدت المجتمع والدولة كليهما.
وكان (الحسن) وهو يتلقى البيعة بيمينه، يرن في سمعه صدى كلمات أبيه الناقمة والآسفة التي وجهها في أخريات أيامه لأهل الكوفة الذين كانوا - وهم أنصاره - أشد إرهاقا له من خصومه..!!
(.. أما والله لوددت أن الله أخرجني من بين أظهركم، وقبضني إلى رحمته من بينكم.
فقد والله ملأتم صدري غيظا، وجرعتموني الأمرين أنفاسا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان، حتى قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب..
لله أبوهم!! هل كان فهم أشد لها مراسا وأطول معاناة مني..؟؟
لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين.. وها أنذا اليوم. وقد عدوت الستين.. ولكن، لا رأي لمن لا يطاع)..!!!
كانت هذه الكلمات للإمام، يدوي في سمع (الحسن) صداها..
كما كانت تلح عليه في وضع نهاية للصراع الذي حاول أبوه أن يتحاماه دون جدوى.