إن النظرة السريعة المتعجلة لهذين الموقفين، توقع أصحابها في وهم كبير، فيحسبونها عرضا من أعراض التطلع إلى الدنيا والحفاوة بها.
فأما عن الموقف الأول، فلم يكن لدى النبي صلى الله عليه وسلم ما يورث.
لقد كان يمضي الشهر والشهران والثلاثة، ما يوقد في بيته نار تطهو طعاما..!!
ولقد لقي ربه، ودرعه مرهونة في حفنات شعير..!!
كل ما في الأمر، أن المسلمين في بعض غزواتهم أصابوا أرضا - أمر رسول الله أن تبقى في أيدي أصحابها، على أن ينال كل ذي حق فيها نصيبه من ريعها.
وأفاء الله على رسوله من تلك الأرض - في خيبر، وفدك - قطعة صغيرة. كان يحمل ريعها إلى الرسول فيستعين به على معيشة بيته وأهله، وأبناء السبيل.
ولما انتقل عليه السلام إلى الرفيق الأعلى، حول خليفته الصديق ذلك الريع إلى بيت مال المسلمين.
وطالبت به السيدة فاطمة بوصفها وارثة أبيها، وغاضبت الخليفة من أجل صنيعة ذاك..
بيد أنها لم تكد تعلم من أبي بكر، ومن غير أبي بكر من الأصحاب أن الرسول كان قد أعلن في حياته أن الأنبياء لا يورثون، حتى فاءت إلى حكمن الشرع وأذعنت لقرار الرسول، وتقبلت في رضا وتسليم حرمانها من ذلك الريع الذي كانت في أشد الحاجة إليه.
وهكذا أضافت إلى تضحياتها تضحية جديدة، وفاء منها وولاء للحق الذي قامت عليه حياتها...!!!