فالحسين رضي الله عنه حين خرج إلى الكوفة لم يكن طالب دنيا ولا جاه. إنما كان مستجيبا لسلطان الإيمان الذي لا يعصى ولا يغلب.
ولقد رأى الإسلام بكل قيمه الغالية وأمجاده العالية. يتعرض لمحنة قاسية يفرضها عليه بيت أبي سفيان.
ورأى خطيئة الصمت والسكوت تجتاح الناس رغبة أحيانا، ورهبة أحيانا.. كانت بيعة يزيد دعما لسلطان الجاهلية على حساب الدين... ودعما لسلطان القبيلة والأسرة على حساب الأمة..
وهكذا صارت مقاومتها دعما لسلطان الدين والأمة معا.
ولئن فات (الحسين) دعم هذا السلطان في النظام العام عن طريق الخلافة، التي لم يكن له من أمرها شئ فإنه لم يتخل عن واجب دعمه في الضمير، عن طريق التضحية والصمود والفداء.
وهكذا.. وفي سبيل إيمانه الوثيق والعريق ضحى البطل الشهيد براحته، ثم بحياته.. وضحى معه الأقربون، وصحبه الأكرمون.
ولقد يبدو لبعض الذين يفكرون في عجلة، أن (الإمام الحسين) ومن قبله والده (الإمام علي) كانا بإيمانهما، وبما ينشدان للحياة وللحكم من ورع وتقوى يمثلان جمودا لم تعد تطيقه الحياة بعد التطور البعيد الذي حققه الإسلام وانفعل به.
فالحق أنهما على العكس تماما، كانا يمثلان روح التقدم وضميره..
بينما كان الآخرون من بني أمية بتحويلهم الدين إلى مزرعة أموية..
وبتحويلهم الخلافة إلى ملك يحتكرونه ويتوارثونه، وبتحويلهم السلطة إلى سوط.. وبإشاعتهم النزعة القبلية بعد أن أذابها الإسلام في وحدته الصلبة، كانوا بذلك كله يمثلون الرجعية المنتكسة إلى عادات الجاهلية وتقاليدها.