وفي واقعة كربلاء هذه، يتألق ذلك المغزى تألق النهار.
فإذا كانت في شكلها الخارجي تبعث الأسى والحزن، فإنها في جوهرها العظيم تستجيش كل ما في النفس البشرية من إعجاب وإجلال.
إنها تبدو، وكأنها مهرجان للحق بالغ الروعة!!
وتبدو، وكأنها عيد للتضحية نادر المثال!!
إن المسلمين يحتفلون كل عام مرة بعيد الأضحى، ويسمونه (العيد الأكبر).. فماذا كانت مناسبة هذا العيد في التاريخ..؟ كانت مناسبته التضحية.. ولا شئ سواها..
فخليل الرحمن (إبراهيم) أراد القدر أن يلقن البشرية عن طريقه درسا ليس كمثله درس في تقديس مشيئة الله وتلبية ندائه وأمره، فدعاه أن يذبح ولده فسارع من فوره وشحذ سكينه وتل ولده للجبين.. وفي اللحظة الباهرة ملأ الوحي روعه وفؤاده:
(يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا.. إنا كذلك نجزي المحسنين).!!
فهل اتخذ الإسلام من تلك المناسبة عيدا، لأن الله افتدى (إسماعيل) بذبح عظيم..؟!
كلا، فلقد كان سيحتفل بها أيضا لو انتهى الأمر إلى أن يكون (إسماعيل) بذبح عظيم..؟!
كلا، فلقد كان سيحتفل بها أيضا لو انتهى الأمر إلى أن يكون (إسماعيل) الذبيح والقربان..
ذلك أن الإسلام يحتفل بمضمون الموقف وجوهره - التضحية بأعز شئ.. في سبيل رب كل شئ، وإله كل شئ..!!
ولقد وقف (الحسين) وأهله وأصحابه من أجل الحق موقفا استحق ببطولاته وتضحياته أن يكون للتضحية عيدا، أي عيد..!!