والتدلي المذكورين في قصة الإسراء فإن الذي في سورة النجم هو دنو جبرائيل وتدليه كما قالت عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما فإنه قال * (علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى) * فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى وأما الدنو والتدلي الذي في حديث الاسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تعالى وتدليه وأما الذي في سورة النجم أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى فهذا هو جبرائيل رآه مرتين مرة في الأرض ومرة عند سدرة المنتهى ومما يدل على أن الاسراء بجسده في اليقظة قوله تعالى * (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) * والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح هذا هو المعروف عند الإطلاق وهو الصحيح فيكون الإسراء بهذا المجموع ولا يمتنع ذلك عقلا ولو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة وهو كفر فإن قيل فما الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس أولا فالجواب والله أعلم أن ذلك كان إظهارا لصدق دعوى الرسول صلى الله عليه وسلم المعراج حين سألته قريش عن نعت بيت المقدس فنعته لهم وأخبرهم عن عيرهم التي مر عليها في طريقه ولو كان عروجه إلى السماء من مكة لما حصل ذلك إذ لا يمكن اطلاعهم على ما في السماء لو أخبرهم عنه وقد اطلعوا على بيت المقدس فأخبرهم بنعته وفي حديث المعراج دليل على ثبوت صفة العلو لله تعالى من وجوه لمن تدبره وبالله التوفيق
(٢٤٩)