شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٧٧
ما هو في الوجود دون ما في الإمكان إذ لا يمتنع أن يقع في أقل من ذلك القدر من الزمان (قال المبحث السادس) ذهب بعض الفلاسفة والمتكلمين إلى أن بين كل حركتين مستقيمتين زمانا يسكن فيه المتحرك سواء كانت الثانية رجوعا إلى الصوب الأول أو انعطافا إلى صوب آخر ولا خفاء في أن حصول الزاوية إنما يكون على تقدير الانعطاف دون الرجوع لأن الخط واحد فعبارة التجريد وهي أنه لا اتصال لذوات الزوايا ولا انعطاف ليست على ما ينبغي وقد فسرت بأنه لا اتصال للحركات الأينية التي تفعل نقطا هي نقط زوايا الرجوع ولا التي تفعل نقطا هي نقط زوايا الانعطاف والعمدة في احتجاج الفلاسفة أن الوصول إلى النهاية أني إذ لو كان زمانيا ففي نصف ذلك الزمان إما أن يحصل الوصول فلا يكون في ذلك الزمان بل في نصفه أو لا يحصل فلا يكون المفروض زمان الوصول وكذا الرجوع أعني ابتداءه الذي قد يعبر عنه باللاوصول واللامماسة والمباينة والمفارقة فلا يرد ما قيل إن كلا من ذلك حركة وهي زمانية لا آنية ثم الآنان متغايران ضرورة فإن لم يكن بينهما زمان لزم تتالي الآنات فيكون الامتداد الزماني الذي هو مقدار الحركة متألفا من الآنات وهو منطبق على الحركة المنطبقة على المسافة فيلزم وجود الجزء الذي لا يتجزأ وإذا كان بينهما زمان ولا حركة فيه تعين السكون ولما كان منع ضرورة تغاير الآنين ظاهرا بناء على جواز أن يقع الوصول واللاوصول أعني نهاية حركة الذهاب وبداية حركة الرجوع في آن واحد هو حد مشترك بين زمانيهما كالنقطة الواحدة التي تكون بداية خط ونهاية خط آخر وليس هذا من اجتماع النقيضين أعني الوصول واللاوصول في شيء لأن معناه أن يصدق على الشيء أنه واصل وليس بواصل لا أن يحصل له الوصول وابتداء الرجوع الذي هو لا وصول كما يحصل للجسم الحركة والسواد الذي هو لا حركة قرر بعضهم هذه الحجة بوجه آخر وهو أن الحركة إنما تصدر عن علة موجودة تسمى باعتبار كونها مزيلة للمتحرك من حد ما مقربة له إلى حد آخر ميلا وهي العلة للوصول إلى الحد وإن لم يسم باعتبار الاتصال ميلا فتكون موجودة في آن الوصول إذ ليس الميل من الأمور التي لا توجد إلا في الزمان كالحركة ثم اللاوصول أعني المباينة عن ذلك الحد لا يحدث إلا بعد حدوث ميل ثان في آن ثان ضوررة امتناع اجتماع الميل إلى الشيء مع الميل عنه في آن واحد ولا استحالة تتالي الآنين يكون بينهما زمان بكون الجسم فيه عديم الميل فيكون عديم الحركة وهو معنى السكون ويرد عليه بعد تسليم نفي الجزء وثبوت كون الميل علة موجبة للوصول لا معدة ليلزم بقاؤه معه أن الآن عندكم طرف للزمان بمنزلة النقطة للخط فلا تحقق له في الخارج مالم ينقطع الزمان وإنما هو موهوم محض بما يفرض للزمان من الانقسام فكيف يقع فيه الوصول أو الرجوع وإن أردتم به زمانا لا ينقسم إلا بمجرد الوهم فلانم تغاير أني الميلين لجواز أن يقعا في آن واحد بحسب ما له من
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»