تثبيت الإمامة - قاسم بن إبراهيم البرسي - الصفحة ٤٣
أحدهما: الاعتبار فيما بدا، وحكمه في ماضي إرادته فيما أنشأ.
والأمر الثاني: فإحكام تدبير منشأه، وتبليغه غاية مداه، بإحداث ما لا يكون بلوغ المدى للآية، وما يريد الحكيم من إبقاء المنشأ بأسنانه من مواد الأغذية، وحوط المنشأ من كل مفنية.
ثم يكون ذلك في لطف مدخله، وحوط فرعه من الفساد وأصله على قدر حكمة تدبير المدبر، واقتدار قدرة العليم المقدر، فلا يمكن في حكمه التدبير، ولا تدبير ذي العلم القدير، أن يزيد كون لقائه إلا مع خلقه، المقيم إبقائه من مادة الغذاء وتركيب التي للاغتذاء من الأفواه والأوعية، وبسط الأيدي العبدية لاستحالة بقاء الحمقى مع عدم ما به للبقاء، واستنكار دوام دائم، أو توهم قوام قائم، جعلهما الله لا يدومان إلا بمديمهما، ولا يقومان طرفة عين إلا بمقيمهما، ثم يقطع المديم المقيم لهما عنهما وهو مريد مع قطعه بدوامهما لما في ذلك من الجهل الذي تعالى الله عنه، وخطأ التدبير الذي بعد سبحانه منه، كنحو ما خلق من حيوان للإنسان الذي خلقه، لا يبقى إلا عادة الغذاء، وجعل غذاه لا يكون إلا بتجرد الأرض والماء وبما فطر سبحانه من حرارة النار والهواء، وبما جعل من فصول السنة الأربعة، وجعل السنة لا تكون إلا بشهورها المجتمع، وجعل الشهور لا تتم إلا بأيامها ولياليها، وما قدرها الله عليه من تواليها، وجعل الأيام لا تتم إلا بساعات أزمانها، والأزمان لا تتم إلا بحركة الأفلاك ودورانها.
(الليل والنهار) 26

26 - يقول الجاحظ في عبرة الشمس: فلولا طلوعها لبطل أمر العالم كله، فكيف كان الناس يسعون في معايشهم وينصرفون في أمور هم والدنيا مظلمة عليهم؟ وكيف كانوا يهنئون بالحياة مع فقدهم النور ولذته وروحه فالإرب في ظهورها ظاهر، يستغنى بظهورها عن الإطناب فيه.
ولكن تأمل المنفعة في غروبها، لم يكن للناس هدوء ولا قرار ولا راحة مع عظم حاجتهم إلى ذلك لراحة أبدانهم وجموم حواسهم، وانبعاث القوة الهاضمة للطعام، وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء كالذي وضعت كتب الطب من ذلك، ثم كان الحرص سيحمل بعض الناس من أهل الحرص على مداومة العمل، ومتابعته لتكثر منافعهم واكتسابهم، فيضر ذلك بقواهم وبأجسادهم. ثم كان جهلهم ورغبتهم في الكسب وتثمير المال يؤدي بهم إلى التلف فإن كثيرا من الناس لولا جثوم هذا الليل عليهم وظلمته لما هدأوا عن العمل رغبة في الكسب ولا قروا. أنظر المصدر السابق..
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست