وركبت السفينة - مروان خليفات - الصفحة ٥٤٨
إثم) (١) ثم تركني ومضى. فقلت في نفسي: إن هذا الأمر عظيم قد تكلم على ما في نفسي ونطق باسمي وما هذا إلا عبد صالح لألحقنه ولأسألنه أن يحالني. فأسرعت أثره فلم ألحقه وغاب عن عيني فلما نزلنا واقصة (٢) إذا به يصلي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري فقلت، هذا صاحبي أمضي إليه وأستحله فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه. فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق أتل: ﴿وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى﴾ (3) ثم تركني ومضى. فقلت: إن هذا الفتى لمن الأبدال وقد تكلم على سري مرتين، فلما نزلنا رمالا إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا أنظر إليه فرأيت قد رمق السماء وسمعته يقول:
أنت ربي إذا ظمئت من الماء * وقوتي إذا أردت الطعاما اللهم سيدي مالي سواها فلا تعدمنيها. قال شقيق: فوالله لقد رأيت البئر قد ارتفع ماؤها فمد يده فأخذ الركوة وملأها ماء وتوضأ وصلى أربع ركعات. ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب. فأقبلت إليه وسلمت عليه فرد علي السلام. فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم الله به عليك. فقال يا شقيق: لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك. ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا سويق وسكر، فوالله ما شربت قط ألذ منه ولا أطيب ريحا منه. فشبعت ورويت، فأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا، ثم لم أره حتى دخلنا مكة فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نصف الليل يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل.
فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح الله. ثم قام فصلى الغداة. وطاف بالبيت أسبوعا وخرج فتبعته فإذا له حاشية وموال وهو على خلاف ما رأيته في الطريق، ودار به الناس

١ - الحجرات: ١٢.
٢ - جاء في حاشية صفوة الصفوة: ٢ / ١٨٥ ماء لبني كليب، من عمل المدينة.
٣ - طه: ٨٢.
(٥٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 543 544 545 546 547 548 549 550 551 552 553 ... » »»