وفارس، حتى وافى مرو، فلما وافى مرو عرض عليه المأمون أن يتقلد الإمرة والخلافة، فأبى الرضا (عليه السلام) في ذلك، وجرت في هذا مخاطبات كثيرة، فبقوا في ذلك نحوا من شهرين (1).
وقد احتال المأمون هذه الحيلة لجهات شتى:
منها: إطفاء أنوار الفضائل التي كانت مشرقة من الشمس الضحى في مدينة الرسول، التي كانت مزار العام والخاص، فكان المأمول والمسؤول لهم بعد زيارة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) زيارة عالم آل محمد صلى الله عليهم، ولم يقدر أن يحبسه ويضيق عليه كما فعل هارون مع أبيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، لتبدل الظروف والأجواء، فأراد تبعيده وحبسه تحت إشرافه، ويظهر هذا من منعه أن يأخذ طريق الكوفة وقم، لئلا يلتقي مع شيعته في تلك البلاد.
ومنها: أن يسقطه عن أعين الناس بتقليده ولاية عهده حتى يغطي زهده في الدنيا واستغراقه في عبادة الله.
ومنها: أن يزيل عار قتل أخيه الأمين طلبا للملك بإظهار زهده في الخلافة بتقليدها للإمام (عليه السلام).
ومنها: أن يمنع من خروج العلويين عليه في أكناف البلاد، ويستريح منهم بهذه الوسيلة.
ولا مجال لبسط الكلام في المقام، ونقتصر بما جرى بينه وبين الإمام (عليه السلام) بما رواه الصدوق عن إبراهيم بن تاتانة، وهو من مشايخه الذي ترضى عنه واعتمد عليه في الفقيه، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي الصلت الهروي الثقة، قال: إن المأمون قال للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله قد عرفت علمك وفضلك وزهدك