مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ٧٤
يتوجه إلى العقوبات المفروضة عن طريق التقنين والتشريع، فالتعذيب في ذلك المجال رهن إحدى الغايتين: التشفي أو الاعتبار.
وأما إذا كانت العقوبة أثرا وضعيا للعمل فيسقط السؤال، لأن هناك ضرورة وجودية بين وجود المجرم والعقوبة التي تلابس وجوده في الحياة الأخروية، فعند ذلك لا يصح السؤال عن حكمة التعذيب، وإنما هي تتوجه إلى التعذيب الذي يمكن التفكيك بينه وبين المجرم كالعقوبات الوضعية.
وأما إذا كانت العقوبة من لوازم وجود الإنسان الأخروي، فالسؤال عن التعذيب، ساقط جدا.
توضيح ذلك: إن الإنسان إنما يحشر بذاته وعمله، وعمله لازم وجوده وكل ما اقترف من الأفعال فله وجود دنيوي، يتجلى باسم الكذب والنميمة، وله وجود أخروي يتجلى بالوجود المناسب له، فهكذا أعماله الصالحة فلها صورة دنيوية، باسم الأذكار، وصورة أخروية تناسب وجود الإنسان في هذا الظرف.
فالصوم هنا إمساك، وفي الحياة الأخروية جنة من النار، وهكذا سائر الأعمال من صالحها وطالحها، فلها وجودان: دنيوي وأخروي، وإليك ما يدل على ذلك في القرآن الكريم.
يقول سبحانه: * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا) *. (1) ويقول سبحانه: * (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) *. (2)

(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 79 80 ... » »»