مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ٢٧
حاكية عن أنه سبحانه قائم بأعباء القسط في جميع المجالات تكوينا وتشريعا، أما التكوين فقد وقفت على نماذج من التعادل الذي هو حجر الأساس لبقاء السماء والأرض واستقرار الحياة على وجه البسيطة.
بقي الكلام في مظاهر عدله في عالم التشريع، ولنذكر نماذج من ذلك:
1 - فرض سبحانه الصيام على كل مكلف، وقال: * (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) *. (1) وفي الوقت نفسه استثنى المريض والمسافر ومن يصوم ببذل الجهد الكبير، قال سبحانه: * (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) *. (2) فأوجب على المريض والمسافر القيام بأعباء هذا التكليف بعد استعادة صحته أو رجوعه إلى الوطن، كما أنه اكتفى فيمن يصوم ببذل جهد كبير كالهرم، بالتكفير وإطعام مسكين.
2 - لا شك أن في القصاص حياة لأولي الألباب، وفي المثل المعروف: " إن الدم لا يغسله إلا الدم "، ومع ذلك كله فقد أجاز لولي الدم أن يسلك طريقا آخر وهو إبدال القصاص بالدية، فقد شرع ذلك، وقال: * (فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) * (3). فالإصرار على أحد الحكمين ربما يولد الحرج، فخير ولي الدم بين القصاص وأخذ الدية حتى يتبع ما هو الأفضل والأصلح لتشفي القلوب واستقرار الصلح في المجتمع.

(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»