مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ٢٢
إن رفع صرح هذا البناء الشامخ دون الاستعانة بدعائم مرئية يكشف عن تناغم دقيق في عالم الخلقة، ولولاه لتداعت أركان العالم وانهارت، وهذا النظام الرائع تقاسمته قوتا الجاذبية والطاردة (النابذة)، وفي ظل التعادل القائم بينهما انتظمت حركة النجوم والكواكب والمجرات في مساراتها.
فالجاذبية قانون عام جار على جميع الأجسام في هذا العالم، وهي تتناسب عكسيا مع الحد الفاصل بين الجسمين إذ تتعاظم كلما تضاءلت المسافة، وتتضاءل كلما ازدادت الفاصلة، فلو دارت رحى النظام الكوني الدقيق على قوة الجاذبية فقط لارتطمت الكواكب والنجوم بعضها مع بعض ولتداعى النظام السائد، ولكن في ظل قانون الطرد يحصل التعادل المطلوب، وقوة الطرد تلك تنشأ من الحركة الدورانية للأجسام.
ومهما يكن من أمر ففي ظل هاتين القوتين تبقى الملايين من المنظومات الشمسية والمجرات معلقة في الفضاء دون عمد، وتحول دون سقوطها وفنائها، وإلى هذه الحقيقة يشير القرآن الكريم، ويقول: * (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها) *. (1) وتتضح دلالة الآية من خلال ملاحظة أمرين:
الأول: إن قوله " ترونه " وصف ل‍ " عمد " وهي جمع عمود.
الثاني: إن الضمير في " ترونها " يرجع إلى الأقرب الذي هو " عمد " لا إلى السماوات التي هي أبعد، ومعنى الآية أنه سبحانه رفع السماوات من دون أعمدة مرئية، وهو لا ينفي العمود بتاتا، بل وإنما ينفي العمود المرئي، ولازم ذلك وجود العمد في رفع السماوات من دون أن يراها البشر، وهذا هو المعنى الذي اختاره ابن

(٢٢)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»