مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٦٢ - الصفحة ٢٣٩
سميعا بصيرا (1)، ناطقا، عاقلا، مفكرا، مدبرا، عالما، عاملا، كاملا، ذا حواس ومشاعر وأعضاء أدهشت الحكماء، وذا مواهب عظيمة، وبصائر نيرة تميز بين الصحيح والفاسد، والحسن والقبيح، وتفرق بين الحق والباطل، فيدرك بها آلاء الله في ملكوته، وآيات صنعه جل وعلا في خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وفي نظمه المستقيمة جارية في سمائه وأرضه على مناهجه الحكيمة.
وبذلك وجب أن يكونوا على بينة قاطعة بربوبيته، مانعة عن الجحود بوحدانيته.
فكأنه تبارك وتعالى إذ خلقهم على هذه الكيفية قررهم * (وأشهدهم على أنفسهم) * فقال لهم: * (ألست بربكم) *؟! (2).
وكأنهم * (قالوا بلى شهدنا) * على أنفسنا لك بالربوبية، وبخعنا لعزتك وجلالك بالعبودية، نزولا على ما قد حكمت به عقولنا، وجزمت به

(١) إشارة إلى قوله تعالى: * (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) * سورة الإنسان ٧٦: ٢.
(٢) نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٢ / 100 عن أبي سعيد الخدري، قال: " حججنا مع عمر أول حجة حجها في خلافته، فلما دخل المسجد الحرام، دنا من الحجر الأسود فقبله واستلمه، وقال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبلك واستلمك لما قبلتك ولا استلمتك.
فقال له علي (عليه السلام): بلى... إنه ليضر وينفع، ولو علمت تأويل ذلك من كتاب الله لعلمت أن الذي أقول لك كما أقول، قال الله تعالى: * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) * فلما أشهدهم وأقروا له أنه الرب عز وجل وأنهم عبيد، كتب ميثاقهم في رق، ثم ألقمه هذا الحجر، وله لعينين ولسانا وشفتين، تشهد لمن وافاه بالموافاة، فهو أمين الله عز وجل في هذا المكان.
فقال عمر: لا أبقاني الله في أرض لست بها يا أبا حسن! ".
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»
الفهرست