لعل جملة من الصحابة يمكن تصنيفهم في دائرة الغلاة، نظير من كان يحك المعوذتين من مصحفه ولا يرى أنهما من القرآن، ونظير من زعم خلو المصحف من سورتي الحقد والخلع، أو آية الشيخ والشيخة، ونحو هذا مما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا به عن القصد..
ومما يقطع بهذا ما جاء على لسان الإمام الرضا (عليه السلام) بأن المشبهة والمجبرة إنما هم من الغلاة، فقد أخرج الصدوق في التوحيد بسنده عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام): قال: " قلت له: يا بن رسول الله! الناس ينسبوننا إلى القول بالتشبيه والجبر لما روي من الأخبار في ذلك عن آبائك الأئمة (عليهم السلام)؟
فقال (عليه السلام): يا بن خالد!... إنهم لم يقولوا من ذلك شيئا وإنما روي عليهم..
ثم قال (عليه السلام): من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ونحن منه براء في الدنيا والآخرة، يا بن خالد! إنما وضع الأخبار عنا في التشبيه والجبر الغلاة الذين صغروا عظمة الله فمن أحبهم فقد أبغضنا ومن أبغضهم فقد أحبنا، ومن والاهم فقد عادانا ومن عاداهم فقد والانا، ومن وصلهم فقد قطعنا ومن قطعهم فقد وصلنا، ومن جفاهم فقد برنا ومن برهم فقد جفانا، ومن أكرمهم فقد أهاننا ومن أهانهم فقد أكرمنا، ومن قبلهم فقد ردنا ومن ردهم فقد قبلنا، ومن أحسن إليهم فقد أساء إلينا ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا، ومن صدقهم فقد كذبنا ومن كذبهم فقد صدقنا، ومن أعطاهم فقد حرمنا ومن حرمهم فقد أعطانا. يا بن خالد! من كان من شيعتنا فلا يتخذن منهم وليا ولا نصيرا " (1).