لأن الناس كانوا قد طعنوا فيه - أي في صغر سنه - فأغضب ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد، أيها الناس! فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله! وأيم الله إن كان للإمارة لخليقا، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي.
وأخذ (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكد على ذلك حتى آخر لحظة من حياته بقوله: أيها الناس أنفذوا بعث أسامة، ثلاث مرات (1).
كل ذلك للحد من تلك العقلية الجاهلية المستحكمة عندهم والتي لا ترضى إمرة شاب على شيخ كبير!!
فالإسلام رغم احترامه للشيخ لم يأت ليحصر مسؤولية القيادة به، بل جاء ليبحث عن المؤهلات والكفاءات الموجودة عند الأفراد، فإن وجدت عند الشيخ أعطاها إياه، وإن وجدت عند الشاب منحها له، فالكفاءة الدينية والتنفذية إذا هي الضابط الإسلامي لا الشيبة والسن، فلا ضرورة لإعطاء الشيخ المكانة دون الشاب!!
فمن الواضح أن هذه التوليات من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخصوصا إصراره (صلى الله عليه وآله وسلم) على تولية أسامة بن زيد في آخر حياته - جاءت لتحطيم أنفة وشموخ القرشيين الذين لا يرتضون إمرة شاب، والذين كانوا لا يحترمونه ولا يعيرون لقدراته الأهمية اللازمة - للوقوف أمام تلك العقلية التي عرفوها وآمنوا بها.
ومن هذا المنطق الجاهلي جاء كلام أبي عبيدة بن الجراح لعلي يوم