مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٣ - الصفحة ١٢٥
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ويحك! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟!
فقال: بأبي أنت وأمي، أما هذه ففي النفس منها شئ.
قال العباس: فقلت له: ويحك! تشهد شهادة الحق قبل أن تضرب عنقك.
قال: فتشهد (1).
فهنا يبدو واضحا أن أبا سفيان كان أكثر بطئا في قبول الشهادة الثانية من الأولى، لأن الثانية تعني تحطيم غروره وجبروته وموقعه السياسي والاجتماعي، وذلك ما لا تعنيه كثيرا الشهادة الأولى بالنسبة له.
وكان أبو سفيان لما رأى نيران المسلمين وكثرة عددهم، قد قال للعباس: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما، فقال له العباس: ويحك! إنها النبوة، فقال: نعم إذن.
وظل منظر الفكر القرشي على هذه الوتيرة حتى بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلافة الشيخين، فقد ركل قبر حمزة برجله قائلا: قم يا أبا عمارة! إن هذا الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أصبح بيد غلماننا، وصرح أخرى عند جمع من بني أمية قائلا: تلقفوها يا بني أمية تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار وإنما هو الملك.
وحمل ابنه معاوية نفس النزعة الفكرية - كما سيأتي توضيحه - فصرح حين سمع الشهادة الثانية بما تكن نفسه قائلا: لقد كنت عالي الهمة يا بن عبد الله، ما رضيت إلا أن تقرن اسمك باسم رب العالمين.
وعلى كل حال، فإن هذا التفكير القرشي كان ينظر إلى أقوال النبي

(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»
الفهرست