المرحلة الثانية حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد البعثة لقد سبق أن قلنا إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء عن الله بشهادتي لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقلنا: إنهما كانتا لب اللباب المنجي للعرب من حالتهم اللا متوازنة آنذاك، وقد كانت كلتا الشهادتين ثقيلتين على قلوب قريش وطراز الفكر الجاهلي المشبع بحب القيادة والرئاسة، لكن الواقع هو أن الشهادة الثانية كانت أشد وقعا وثقلا على أنفسهم من الشهادة الأولى، إذ كيف يقرون للنبي (صلى الله عليه وآله) بالنبوة والقيادة الواحدة وهم الزعماء المدبرون، أصحاب الأمر والنهي؟! وهل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - من وجهة نظرهم - إلا زعيما قاتل فانتصر؟!
ولذلك نرى نظرتهم إلى النبي بعد البعثة ظلت مشوبة بهذا المنطق المزعوم، وظلوا على أساسه يفسرون كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه كلام بشر عادي له مؤهلات قيادية وحكمة في النظر والتفكير فقط.
وقد انكشفت هذه الظاهرة بعد استتباب الأمر للنبي في الموقف الحاسم بين النبي والطلقاء في فتح مكة، حيث روى لنا العباس كيفية إسلام أبي سفيان، فقال:
غدوت به على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان!! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟!
قال: بلى بأبي أنت وأمي، لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا.