إذا تقرر هذا فاعلم: أن كل من قدر وجوده في الخارج متصفا بكفر أو نفاق أو فسق أو... إلى آخره، يجوز لعنه، سواء كان موجودا في الخارج أو معدوما.
وبالجملة: فكلام الغزالي ومن تبعه في جواز لعن الجنس دون الشخص مما لا محصل له - كما عرفت -.
وأما قوله: " لا خطر في السكوت عن لعن إبليس - مثلا - فضلا عن غيره "، فاعلم: أن هذا كلام شيخه إمام الحرمين الجويني الشافعي في مسألة وجوب الكف عما شجر بين الصحابة، فأخذه هو وبعض من اغتر به وقلدوه فيه، وليس مما يجوز التعويل عليه، لظهور فساده، وذلك أن صاحب هذه المقالة قد غفل عن أن اللعن طاعة يستحق عليها الثواب إذا وقعت على وجهها، وقد ورد الشرع بذلك في آية اللعان، فلو لم يكن الله سبحانه وتعالى يريد أن يتلفظ عباده باللعنة وأنه قد تعبدهم بها لما جعلها من معالم الشرع، ولما كررها في مواضع كثيرة من كتابه العزيز على وجه أفاد أنه من أحب العبادات إليه، وكفى به شرفا أنه سبحانه جعله وسيلة إلى إثبات النبوة وحجة على الجاحدين لها في المباهلة لنصارى نجران، حيث قال عز من قائل: * (ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) * (1) ولذلك انقطعوا ولجأوا إلى الصلح وبذل الجزية، ولم يجدوا إلى ترداد القول سبيلا.
ثم إن الإمساك عن لعن إبليس إن كان لعدم اعتقاد وجوبه، فقد قيل:
إن هذا كفر (2)، وإن لم يكن لذلك فالممسك مخطئ.
على أن بين الإمساك عن لعن إبليس - لعنه الله - وبين ترك لعن