مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤٧ - الصفحة ٩٩
مهلا بني عبد المدان مهلا، استديموا العافية والسعادة، فإنهما مطويان في الهوادة، دبوا إلى قوم في هذا الأمر دبيب الذر، وإياكم والسورة العجلي، فإن البديهة بها لا ينجب، إنكم - والله - على فعل ما لم تفعلوا أقدر منكم على رد ما فعلتم، ألا إن النجاة مقرونة بالأناة، ألا رب إحجام أفضل من إقدام، وكائن من قول أبلغ من صول، ثم أمسك.
فأقبل عليه كرز بن سبرة الحارثي - وكان يومئذ زعيم بني الحارث بن كعب وفي بيت شرفهم والمعصب فيهم، وأمير حروبهم - فقال: لقد انتفخ سحرك واستطير قلبك أبا حارثة، فظلت كالمسبوع النزاعة المهلوع، تضرب لنا الأمثال، وتخوفنا النزال، لقد علمت - وحق المنان - بفضيلة الحفاظ بالنوء بالعبء وهو عظيم، وتلقح الحرب وهو عقيم، تثقف إود الملك الجبار، ولنحن أركان الرائش وذوو المنار، الذين شددنا ملكهما، وأمرنا مليكهما، فأي أيامنا ينكر؟! أم لأيها - ويك - تلمز؟! فما أتى على آخر كلامه حتى انتظم نصل نبلة كانت في يده بكفه غيظا وهو لا يشعر.
فلما أمسك كرز بن سبرة، أقبل عليه العاقب - واسمه عبد المسيح بن شرحبيل، وهو يومئذ عميد القوم، وأمير رأيهم، وصاحب مشورتهم، الذي لا يصدرون جميعا إلا عن قوله - فقال له:
أفلح وجهك، وآنس ربعك، وعز جارك، وامتنع ذمارك، ذكرت - وحق مغبرة الجباه - حسبا صميما، وعيصا كريما، وعزا قديما، ولكن - أبا سبرة - لكل مقام مقال، ولكل عصر رجال، والمرء بيومه أشبه منه بأمسه، وهي الأيام تهلك جيلا وتديل قبيلا، والعافية أفضل جلباب، وللآفات أسباب، فمن أوكد أسبابها التعرض لأبوابها. ثم صمت العاقب مطرقا.
(٩٩)
مفاتيح البحث: الحرب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»
الفهرست